الأربعاء، 30 سبتمبر 2009

الصرخة ، قصة قصيرة



الصرخة.

...........بخطى متثاقلة ،يجر معها أنفاس الذكرى وحشرجة حزينة ،تغتال صوته المختنق بعبراته ..ينادي على إبنته التي هي أغلى ما يملك من هذه الدنيا ...إبتسامتها لهي عزائه الوحيد لفقدان شريكة عمره وحبيبته الراحلة إلى عالم اللاعودة.
تمثلت أمام ناظريه طفلته الصغيرة ذات الستة أعوام،،تأملها بنظراته وبكى طويلا ....بكى بصمت مما أفزع الطفلة . وشرعت تسأله ببراءة الطفولة عن سبب بكائه ؟....
مرة أخرى نظر إلى تقاطيع وجهها يتأملها، وأسر الألم في نفسه ولم يبده لها .."سبحان الله!صورة منسوخة منها في كل شيء ، ..حتى الحنان واللهفة اللذان يرتسمان على نظراتها له"!!...هكذا تمتم في نفسه).
تأمل صورتها بعمق ....غامت صورتها وراء غلالة من الدموع. وأطرق ..ثم شرد بذهنه ناحية الماضي البعيد...وهو لا يزال أسير الماضي.
ماضي عمره أكثر من ستة أعوام....يغتال حضوره كل ثانية. فلا يستطيع إنتزاع نفسه منه حتى وهو يعيش الحاضر!
جلس وجالت في خلده الذكريات...ولاح طيفها من جديد ، لتؤكد له أنها ستظل بروحها معه حتى آخر عمره! ...ولتذكره دوما بأن السعادة هي القدرة على إصلاح الآخرين وإبتلاع أخطائهم..السعادة في التسامح والحب الفطري.
وأطرق يسرد الاسطورة في مخيلته...متقوقعا داخل أحزانه...يغتاله ألم الفراق ،لأنثى إمتلئ قلبها حبا وحنانا ...لأمرأة عافلة فاضلة...لمن نشأت في بيت كريم الاصل رفيع النسب.
...فالبرغم من شظف العيش الذي عانته وأخواتها إلا انها كانت مثالا رائعا للفتاة الصبورة بكل صورها..وفوق تلك الأخلاق الفاضلة التي إحتوتها.. وتملكت قلبها، منحها الخالق جمالا ربانيا رائعا.
ولأنها كبرى أخواتها أحست بالمسؤولية منذ نعومة أظافرها-فهي ليس لديها اخوة ذكور تشد عضدها بهم.
كبرت ...وأصبحت في سن الزواج. أصبحت محط أنظار الامهات في القرية. كان أفضل الشباب يتمنى الاقتران بها.
إلا أن القدر قد جمعها معه..هو إبن خالتها ...شاب ليس على قدر المسؤولية..عاش عيشة الدلال والرفاهية فهو وحيد والديه،لم يكن يأبه بقيم ولا أخلاق، بل إن أهوائه تحركه او تقيد سكناتهّ!..غارق في ملذاته دون حساب.
كانت(.....) تعلم أنها أمام شخصية عصرتها متع الدنيا. وكان لابد لها من ان تعد نفسها لمواجهة الامور.. ،فقد عرف بأخلاقه غير السوية كما كان معروفا لدى الكثير من فتيات الحي بسلوكيلته المشينة.
كان لقسوة الايام التي عاشتها(.....)دور كبير في إشباع نفسها بالصبر والقدرة على مواجهة مصاعب الدهر. لذلك قبلت التحدي في حياتها معه.
وما ساهم في تصبرها هو انها أحبته..بالرغم من كل عيوبه!!
ولأنها أحبته كانت تخاف عليه من نفسه ومن طيشه وتهوره.
ربما أحست للحظة أن إصلاحه ممكن..أذا ما كانت قريبة منه....لذلك سعت جاهدة لتصلح ما أفسده الدلال في شخصية زوجها وحبيبها.
وحتى تصل إلى ما تطمح إليه..عانت الكثير والكثير من سوء خلقه.فقد كان لا يتوانى عن سبها أو ضربها ..حتى أنه كان يعاقر ما حرم الله من الخمور ويهاتف الفتيات على مسمع ومرئى منها...بل حتى رمضان شهر الصيام والبركة لم يكن ليردعه عما هو غارق فيه من آثام...ولم تلامس جبينه الارض يوما خشوعا للذي خلق كل شيء ثم هدى.
كانت عندما تحاول نصحه وهدايته ،،يسبها ويفاضل بينها وبين أحدى فتياته!!...فتصمت ولا تنبت ببنت شفه قط...ثم تنزوي باكية داعية المولى أن يصلح من شأنه.
وما أن تهدا الأمور بينهما حتى تعاود ملاطفته كطفل صغير!
ومع مرور الأيام بدا قلبه يحن لها ...خصوصا بعد ما انبئته بخبر حملها.
أنتبه إلى أنه لا يجد الحنان والحب إلا منها..فلم يكن أحدا يتحمل حماقاته غيرها،حتى والديه لم يكونا قريبين منه مثلها. كانت هي التي أحبته بصدق فوهبته عمرها.
فقد كانت له الزوجة والأم والحبيبة معا، لم تشتكي يوما لأحد ...كانت على يقين بأن القضية قضيتها ولا أحد يمكنه الترافع فيها افضل منها.
ودارت الأيام.....وتعددت المواقف والمواجع، وكسبت (.....) بالاخير القضية. وإستحقت عن جداره حب زوجها لها وإمتلاك قلبه لأبد..
بدأت الحياة بينهما تسير في منعطف آخر...منعطف الحب والتفاهم.
....أقبل عليها ذات ليلة شديدة البرودة، دامع العين، مخنوق العبارة ، يبكي بين يديها ويوعدها بغد أفضل وبأنه سيعوضها أيام العذاب والحرمان التي عاشتها معه.
إبتسمت له إبتسامة لأزمته حتى بعد رحيلها..وجففت دموعه وهي تؤكد له حبها وأستعدادها لتحمل أي شيء من أجله....وما هي إلا لحظات ،،حتى بدأ الضيف الجديد يقرع الأبواب مستأذنا والديه ليشاركهما حياتهما المقبلة...فأحست(....)بآلام المخاض تعاودها بين الحين والآخر ...كانت تصرخ من شدة الألم، وكان هو يتألم لصراخها.
إنطلق بها إلى أقرب مستشفى ....ومكث ينتظر.
كانت ساعات الانتظار شديدة وقاسية عليه. تمر الساعات تأخذ من عمر الزمن طويلا...
أخيرا خرجت الممرضة..وعلى وجهها ترتسم علامة حزن مشبوهه.
إنفجر فيها صارخا يسألها عن حال زوجته؟؟ فأخبرته بانه رزق بمولودة جميلة كأمها. سألها عن حال زوجته؟ فتمتمت بحزن –وهي تبحث عن عبارة مواسية-:"فليرحمها الله"
دارت الدنيا به ولم يعي ما إلتقطته أذناه من خبر مشئوم..وأسرع ناحية الغرفة. يرجع جدرانها بصرخاته...إنكب عليها مستنجدا بها ان ترد عليه وتكذب الخبر...إلا انها كانت قد غادرت دنياه إلى غير رجعه.
إغتالتها الاقدار من بين صرخات إبنتها الوليدة.
جهش مرة أخرى في البكاء.. وطفلته الصغيرة لم تزل تنظر إليه في دهشة وجزع تتساءل نظراتها الطفولية عن سبب بكائه وعن الحزن الذي تراه في عينيه دوما؟.
ضمها إلى صدره بحنان وتمتم في ألم:"أنت عزائي الوحيد بعد رحيلها....وإلتفت ناحية طيف الحبيبة الراحلة...يودعها








عُلا 2001

هناك 3 تعليقات:

Ashjan يقول...

ما أجمل أن نجد من يأخذ بأيدينا لطريق الصحيح

ولكن ما أصعب أن يكون الدرس قاسي حتى نستيقض من غفلتنا !


عُلا ...
نحركين الذكريات بقصتك الرائعه

دمتِ

عُلا الشكيلي يقول...

أشجان ، لقلبكِ جنائ جوري يا رائعة.
بحق الروعة تسكنكِ حتى النخاع.

ودي بلا حدود يا رائعة.

عائشة يقول...

قصة أقرب إلى الواقع بحق آلمتني جدا، وبحق ما أكثرها تلك الأحداث المشابهه على أرض الواقع فعليا.

تحية لقلمكِ الهادف يا عُلا