الأربعاء، 16 سبتمبر 2009

مــــــــرآه




أن ندرك ان ثقافات الناس مُختلفة، تبعا للبيئات التي تربوا فيها، فذلك يعني قطعا أن نؤمن أن ليس كل البشر يشربون من بئر فهم واحدة، فمشارب الناس تختلف بإختلاف ثقافاتهم وبيئاتهم ومعتقداتهم. المنطق يقول ذلك والتعامل يوضح لنا الرؤيا جلية بعد حين من الدهر، ومن العشرة أيضا.
يصفع ذاكرتك المترامية بين ردهات لقاءات جمعتك بصديق يوما تحت مظلة الحُب الأخوي، غطى نفسيكما برداء الطيبة، فلا يساورك شك أن روحا به تحوي جمال يتسربل رداءه كل لحظة، وكل ضحكة، وكل لقاء ، فتأتي شرارة الفجأة ، تحرق كل ما توهمته من خير في من كنت تعتقد أنه بنقاء الثلج وبياضه، حين يأتي يوما وقد نسي ان يرتدي قناعه ، الذي إعتاد ان يُقابلك به، فتراه بوجهه القبيح، يلطمك بكلمات هي بقسوة الحجر الصلد، بل وأقسى، تظل للحظات غير مُستوعب ما يحدث، فتأخذك مساحة شاسعة من الصمت المُحزن، والمُربك أيضا، وفجأة تجد نفسك لا تملك إلا ان تقهقه ألما مما تسمع وربما جاءت قهقهتك حزنا على من يرمي بجذاذ تلك الحروف، على رصيف ذكريات جميلة جمعتك به يوما، فتشفق عليه، وتتمنى ان تنببه لمغيب الشمس من غرف قلبه، وأنه بدا لزاما أن يفتح نافذة بين تلك الغرف ، ليسكنها دفئ الحقيقة للحظات، لأن ثمة ظلمة سكنته فجأة، ساعدت على إنبات الكثير من الأفكار السامة، والكثير من الأدران المؤذية لشريان الحياء به، ولكنك تتراجع، لأنك لا تدري، أحقا ثمة ظلمة سكنت قلبه فجأة، أم أن خيبتك تلك التي رمت بك في طريق كان ينتعل فيها الطيبة خطوات إليك ،ثم ما لبث أن أتاك حافيا منها، مُعريا قلبه من كل خير، يُشهر في وجهك سيف كلماته، ويمضي غير آبه بجروح أدمى بها قلبك. وبحق يسكنك الحزن، ليس لأنك مهتما بما يقول، ولكن لأنك تدرك أن ثمة خيبة كبيرة طالت قلبك، حين إعتقدت للحظة ان الصبار قد يكون ناعم الملمس يوما، وتناسيت شوكه، لأنك أردت ان تمنحه فرصة ليرى الحياة بمنظار الحب، بمنظار العطاء، بمنظار خفض الجناح ،بمنظار النقاء، بعيدا عن تشوهات الحقد الجهول، فإذا به يُفسر كل رمشة عين منك، وكل حرف لفظته في حضرته عن حب، بأنه تذلل له كي تنال شيئا منه فقط!! وتسكنك الدهشة حين تسمع مثل ذلك الكلام، وأنت من كنت تجر أنفاسك خلفه، كي تقوده إلى مدينة من الفرح، لا لشيء، فقط لأنك أحببت الخير أن يتسربل كل تعاملاتك اليومية مع كل من حولك، وخفضت جناحك للجميع ، وإحوتهم نفسك بحب، بالرغم من كل ما يشي به ماضيهم من سوء أدب، وسوء ظن وسوء تعامل ،وما يشي به من حقد دفين أيضا ، حقد سكن قلوبهم ذات يوم، لا زالت رياحا تبعثه من مكمنه كل حين ، بالرغم من أنك تحاول جاهدا أن تلتقط كل أذى بها ، وتغسل كل درن علق بها، ، ظنا منك أن الشر مستحيل ان يسكن قلبا يوما، وإنما هو زائر لحظي، يأتي متسربلا رداء اللحظات الغبية، ومنتعلا خيبات طاردت يوما خطواته، فتظن "جهلا" أن كل الناس بعرف قلب واحد، وكلهم يحملون ذات الطيبة وذات الروح الخيرية المُبصرة جمالا.
ولأنك لا تدري أي ديناصور إبتلع صاحبك فجأة ، ليلقي لك بذلك الكم الهائل من النيران ، على هيئة حروف،مُلطخة بالمهانة، مُعراة من الجمال، توشك أن تغتال كل جماليات اللحظات الفائتة، التي جمعت بينكما ذات قناع كان يرتديه أحدكما بلا شك، ولفرط ما كنت تؤمن بأخلاق مُحدثك، فإنه قد ترمي بك الهواجس إلى أن تُعيب خلقا أو تصرفا بدر منك، تبحث عنه بين يدي اللحظات التي جمعتكما يوما، فلا تجد إلا أنك كنت ساذجا تلك السذاجة التي أهدتك قناعات غبية، جعلتك لا تُبصر إلا ما تُريد إبصاره ، فتتجاهل كل شر، وتغظ الطرف عن أي حقد، وترفع راية الحُب خفاقة، فإذا بالأيام تصفعك بحقيقة مرة، مؤلمة، موجعة.

أخشى أن مثل تلك القلوب ،بأفكارها الغبية في الحياة، تجعلنا يوما ننحرف عن مبادئنا ، وتنتعل خطواتنا حماقاتهم الحياتية، لفرط ما يُفاجئوننا بها،بل أخشى ما أخشاه ، أن تُظلنا مثل تلك القلوب، فنتلبس يقينا ، أفكارا ظالمة، ومعتقدات ظالة ، ونظن بأن كل الإبتسامات التي قد يمطرنا بها الآخر ذات لقاء، ما هي إلا غويات شيطانية، أتت بها اللحظة لتنافقك ، وبعدها ترحل وتأتي فاجعة رياح تعري لك تلك الوجوه التي ظننت يوما أن بها مسحة من ضياء حُب، فإذا بك تكتشف خيباتك المتلاحقة غرزا في حياة كثيرا ما غدرت بك، لتضحك من ثقافتك وقناعاتك الساذجة التي أوصلتك لكل ذلك.


همسة:
إغضب صديقك، تستقرئ باطنه.

عُلا الشكيلي


المقال نُشر بملحق آفاق الثقافي التابع لجريدة الشبيبة بتاريخ16 \9\2009

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

كثيرون مثل من ذكرت أيته الطيبة،
لا نقول إلا هداهم الله،
تقبلي تحياتي

أخوك محمد

عُلا الشكيلي يقول...

محمد قرأتني كثيرا هُنا،
سعيدة بتواجدك حيثُ حرفي أيها الطيب.
لا تحرمنا هذا المرور .

ودي