الأربعاء، 25 نوفمبر 2009

*فوضى مسكونة بالجمال


حين رأيته يتقافز أمامي، كنتُ ساعتها أتثاءب بكسل. لذلك تجاهلتُ شيطنته، وأغلقتُ عيناي ببطئ شديد، شعرتُ بخياله يتراقص مع إنبثاق الضوء من النافذة ، ومع ذلك لم أهتم به ، ولم أبدي مخاوفي، ولم أبدي تذمري أيضا .
تركته يعبث بالضوء كيف يُريد . من كان يراني ساعتها يظن انني سابحة بأحلامي في رحلة نوم شديدة العمق !
في الحقيقة لم أكن نائمة ، كنتُ بين الوعي واللاوعي، إستمتعتُ كثيرا وأنا أُناظره مُسترخية الفكر ، بإحساس نصف يقظ ونفس نائم. الخيالات التي كان يرسمها على بُعد ضوء مني ، كانت تبدو لي حكاية تُخبئ داخلها الكثير من الأسرار. ذلك الشبح الضوئي ، كان يتسلل من خلف غطاء الجفن ، يستلل بخبث ، كنتُ أبتسم في داخلي، وأنا أراني مزهوة بغرور الثقة المتناهية فيني !

حسنا ، ما خطبك الآن؟! إنك لا تفعل شيء عدا إضحاكي ، إنني أضحك بشدة الآن في داخلي، لا أدري إن كنت ترى علامات الإبتسام على شفتي، ولكني أجزم أنك تمتلئ غيضا ، لأنك فشلت في إخراجي من حالة الهدوء التي إقتنصتها رغما عن ضوضاءك المُضحكة . ونجحتُ أنا في إغتصاب حماقات جنونك لأعيش اللحظة الجنونية ونفسيتي ترتدي ثوب هدوء !
أتتخيل ذلك؟ أتتخيل كيف لأضداد أن تلتقي بمتعة الغرابة ؟!ذلك شهي بحق ، شهي حد التلذذ !

أسمع صوتا يأتي من الداخل ، يهمس "من تُخاطبين " أتصدق؟ لا أكترث للسؤال وأمضي في هوسي الجنوني ! أعلم أنه سيقول عني "حمقاء" بل ربما "مجنونة" !
الأمر ممتع بحق ، انا لا أهتم بشيء، لا بالأنا التي تُخاطبني بحنق ، ولا بذلك المتسكع في أرضية الغرفة ، بصحبة ضوء، إنه يتراقص كأبلة ، يضحكني بشدة ، فأقهقه مرة أخرى بداخلي، تكتفي شفتاي برسم إيماء الضحكة كنوتة تبسمية صغيرة تنعطف زواياها ناحيتك أيها الشبح الضوء المتسكع في زوايا الغرقة تثرثر طويلا ، إنني بلا شك أستمتع بثرثرتك تلك ، ممتع للغاية .

ياتيني الصوت من دخلي يسأل للمرة الألف "من تُخاطبين " ، لا أجيب، لا أفعل شيء سوى ان أغرق في الضحك مُجددا، وأقول مرة أخرى وأخرى وألف، رائع ، إستمر ، إنني هكذا أدخل قوقعة جنون هدوئي!
أسمع همهماته تخرج غاضبة ، فأبتسم أكثر.وأكثر وأكثر حد القهقة بلا وعي!

أحب أن يأتي جنوني كما أشتهي ، وأعمل على إسكات ذلك الصوت الذي لا يكف عن إرسال سؤاله الغبي لي"مع من تتحدثين" .
المفروض أن أتضايق الآن ، لأن ذلك الصوت يًشعرني بأن ثمة غباء يسكن بداخلي ، يردد ذات السؤال ، ولكني أضحك!
ما سر ذلك ؟! حالة هستيرية فائقة الجمال ! كيف وصلت إلى تلك الحالة من الهوس الجنوني !

الأحمق ، ذلك الشبح الضوئي ، لا زال يعبث بحركات غبية، بل مُضحكة ، أراه من خلف ستار غطاء عيني ، إنه لا يكف عن الثر ثرة بحركات مُضحكة ، إنني أكثر الضحك بداخلي ،مهلا ، حدث شيء غريب ، الصوت الغبي الذي كان يسأل "مع من تتحدثين " أسمعه الآن يُقهقه.
رائع ، إنتصرتُ أنا بالأخير ، وجعلته يقهقه هو الآخر.
توصلتُ إلى حقيقة ، أن الأشياء التي نريدها ، نستدعيها بطريقتنا ونبتكر لإستجلابها أساليبنا الخاصة ،أتعلم ايها الشيح الضوء؟ لا من داعي لتعلم أشياء خاصة بنا . ها أنا في قمة جنوني وبالرغم من هدوئي الصارخ في المكان! هل تُريد ان تجرب كيف تكون في قمة جنونك الهادئ؟ أم انك تستمتع بالصخب الصارخ ضجيجا كأرجوز أحمق لا يكف عن الحركة ؟ إنظرني أنا كيف وصلتُ لحالة الإنتشاء التي تتفاخر بها أنت أمامي ،ولكن دون حتى ان أرهق نفسي ! إنني أعيش خيال الجنون بداخلي .

والأهم من ذلك أنني أجبرتُ الذات الماكنة فيني على أن تتقبل الأمر ، ألم أقل لك أنها كفت عن إرسال سؤالها الغبي ، وبدأت بالقهقهه هي الأخرى!
إن ذلك يعد إنتصارا بلا شك .
رائع ايها الشبح الضوء ، رائع جدا إستمر بعبثك في فضاء الغرفة . أحب ذلك بحق .
كما أحب أن أمارس طقوسي الحنونية ، بعيدا عن تلصص الآذان من حولي أو تربص الأعين اللاهثة وراء الأضواء المخنوقة بوجع ! تتساءل بخبث عن سبب وجعها ، لتغرقها في هدوء صارخ في حزنه ! الآن أنا ، أعشق جنوني الصارخ في فرحه الماكث هدوءا فيني !
أيها الشبح الضوء، هل فكرت يوما في الجنون وروعته؟ الجنون جدا رائع ! إنه يلهمك القوة ، يلهمك اللامبالاة ، بما حولك ، مهما كان حجمه أو ضآلته !

أنت تعلم الجنون وتتقنه لا شك في ذلك ، لأني أرى عبثك الصارخ المُضحك ! ولكن أيها الشبح الضوء، هل تعرف كيف تكون مجنونا في هدوءك؟!
أعلم ان ذلك صعب عليك أن تتعلمه ! فأنت لا تفقه سوى الشيطنة تُرسلها ضجيجا مُدويا في المُقل ، تتحرش بالبؤبؤ الضعيف المسكين ! يا السخرية ! البؤبؤ يختبي منك الآن ، ويغرق في ضحكاته المتلاحقة!

تحرشاتك لم تعد تؤلمه ، بل تُضحكه!
جميل ذلك ، جميل جدا ، أيها الشبح الضوء ، دع عبثك الصارخ يزاورنا ذات ترح تارة وذات فرح تارة أخرى . إنني أطلب منك ذلك الآن ، وأعدك أن آخذك إلى مدينتي لاحقا . سأُعلمك الرقص بهدوء ، بلا ضجيج ولا ضوضاء مُشعة صارخة في إشعاعها، على أن تُعلمني كيف ألتقطُ الحزن بومضة جنون ، وأن أسترخي بعد ذلك بهدوء .
وأتسكع مُدن الأحزان بلا أحذية !

أيها الشبح الضوء ، أعلم أنك لا تنتعل حذاءا ولن تنتعله قط ، الحذاء لا نحتاجه في الرقص كما لا نحتاجه في الموت ! تلك عبارة قرأتها يوما في رواية إنها ملكية فلسفية روائية خاصة بالمستغانمي أحلام .
إن قلمي يعشق السير، خلف خُطى الجمال والفلسفة !

أراك مُقطب الجبين الآن ! أدرك أنك تتساءل :ما دخل الفلسفة الآن ؟
إنها مقرونة بالجمال ، مغمورة في حروف تسير بقدمين سرقت أحذيتها !

أيها الشبح الضوء ، أرغب بشدة أن تُسرق أحذيتي ذات حزن ..

عُلا الشكيلي
* نص سردي نُشر في ملحق شرفات الثقافي

لهذا اليوم الأربعاء الموافق 25\11\2009

هناك 15 تعليقًا:

غريب الوقت يقول...

حين قراتها كنت ساعتها لست متحمسا لها واغلقت عيني ببطء شعرت بروعتها ورغم ذلك لم ابالي.,..
في الحقيقه لم اكن اهمالها,, كنت اريد ان اقراها لاتعلم منها..
كنت ابتسم في داخلي من جمال واسلوب لهذه القصه...
احسسن انها ترمي الي شي ما حاولت قراتها عده مرات لاعلم الى ما تهدف اليه هذه القصه ...
البعض سقراها وسيعرف الى ما ترمي اليه لكن لا احد يعلم ما ترمي اليه الا صاحب هذه القصه..
كان لي راي هنا واعتذر عن الاطاله واعتذر ربما اخطات في شي ما..

هلال الهنائي يقول...

الرقص كما الموت ...لا يحتاج إلى أحذية .
أرغب بشدة ان تسرق أحذيتي ذات حزن .

تسرق يا عُلا لكن لاجل أن تمشين حافية القدمين .

أعجبني النص جدا .
دمتِ برقي أيتها العذبة .

محمد يقول...

عُلا ...
بصدق بت لا أفهمك !
إعذريني فهمي على قدي يعني .

لكن بصدق لم أفهم المغزى من القصة !

أعتذر على قولي ذاك ولكن لنتعلم منكم .

وبالاخير سيظل حرفك رائع

عُلا الشكيلي يقول...

غريب الوقت .
مرحبا بك في مدونتي ،
تتعلم من ماذا يا "غريب الوقت"؟ بل أنا يذهلني هذا المعرف الجميل :"غريب الوقت " ما أوسع ذلك المعنى يا غريب ! وما أجمل شدوك هُنا .

كل له قراءته يا غريب ، ولك قراءة قد تُخطئني . ولي حرف قد يُخطئك !

شكرا لأنك هُنا .
أسعدني وجودك بين حروفي .
وكل عيد وأنت سعيد يا رب .

عُلا الشكيلي يقول...

هلال .
ليتها تُسرق ، وإن لم تُسرق سأخبئها كي لا يناوشها الحزن أو يشاكسها الشجن .

بالرغم من حبي للشجن .

هلال لمرورك شكرا سيدي .
وكل عام وأنت بخير .

عُلا الشكيلي يقول...

شكرا يا محمد .
مرورك بحد ذاته أغنية بالنسبة إلي .
والمغزى كل يقرأه كيف يريد وكيف يشاء .
لا أدري ما أقول لك .
لم تكن "قصة" بقدر ما كانت مجرد ثرثرة مع شبح ضوئي يتراقص بجنون ليثير جنوني !

شكرا يا محمد .
وكل عام وأنت بخير .

رحمة الهاشمية يقول...

استاذة أثرتِ شجن الحزن بين حنايا الخفوق هو استفسار لأني لست أهل للملاحظات وأنا سني طريّ في عالم الكتابة والفكر الفلسفي
كانت لك فكرة ومعنى خلف شرح تفصيل الضوء الذي خلق في نفسك نشوة ليس لها مثيل امتزجت بالحزن وسر الصمت الذي يلازمك ويجعلك غريبة عن اوطانك ثم شرعتِ لدمج الصورة مع الواقع (أساس الفكرة) لكني لم أفهمها الفكرة جيداً سوى أن مجريات الحياة مطبات تصفعنا ونرتكن بها بزوايا الالم وهي بعيدة كل البعد ثم ماذا يا استاذة

عُلا الشكيلي يقول...

رحمة ، إن كان الشجن ملازما لي ، فذلك لأني أحب إتباع ظله ،
والضوء يرسم الظل ،
الضوء شقيا جدا ، والشجن هادئ جدا ،
كم جميلا حين تلتقي الأضداد !

والأضداد أصلا متلازمان .
اما رأيتِ الموجب كيف ينجذب للسالب؟!
أما رأيتِ الشجن كيف يرسم بهدوء الفرح !

اما رأيتِ الضوء بشقاوته كيف يرسم الظل ؟!

أما رأيتني كيف أمتزج بجنوني الفرح وبهدوئي الشجي ؟!

كم أعشق الأضداد حين تلتقي .

شكرا لقلبكِ يا رحمة

الباحث يقول...

الوحيد الي يعجبني في سردك أن تحمليني في عالم أخر اعيشة واصوره واجسده


انت رائعة في سردك

اتمنالك التوفيق

عُلا الشكيلي يقول...

الباحث ،
لا تحمل أحدا كلماتي بل هي التي تتجول ، تحاول الإسقرار في قلوبلكم !
إنها تمطر حين تهب رياحكم فقط .

كل عام وأنت بألق سيدي.

أحـمـد الـشـكـيـلـي يقول...

علا ...
ماذا عساي أن أقول في نص يسبح فيه القاري بخياله نحو أفق لا نهائي في حدوده وأرجائه .
عُلا .. قد تكون شهادتي في هذا النص مجروحة ، أتدرين لماذا ؟؟ باختصار لأن هذا النص جعلني أغرد خارج السرب ، سبحت بأفكاري نحو البعيد الذي لا أتوقعه أن يقرب .
عُلا ،، لقد اعتدتُ أن أصف الكلمات بأنها مثل الخرز تجده منثوراً في بقاع الأرض المختلفة يمر عليه الكثير من الناس فما يلقطه الا من آتاه الله معرفة بنظمها وتشكيلها في عقد فريد تتزين به صفحات الأدب العربي وهكذا أنتي فيما تخط أناملك .
دمتي مبدعة ودام قلمك ينثر عبيره في كافة الأرجاء .

عُلا الشكيلي يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
عُلا الشكيلي يقول...

أحمد،
توقفتُ أقرأ كلماتك كثيرا ،
إنها تحمل بين فواصلها الكثير .

الخيال هو سر جمال اللحظة يا أحمد .
الخيال يعزفنا أغنية في أحايين كثيرة .

أحمد .
أطربني وجودك هُنا أيها الراقي .
شكرا لقلبك

ناصر العَميري يقول...

لم أرى الفوضى...
ولكنني رأيت الجمال... في كل كلمة...

عُلا الشكيلي يقول...

ناصر .
الفوضى أحياناترسم في الزاوية جمالا لا يراه إلا من يُأتى مهارة في إستخلاص الشيء من مكمنه !

الجمال ، إحساس بالشيء قبل أن ينولد ، أو ربما إحساس به وهو متواري ومتخفي خلف نافذة من بلور !

الجمال قد ياتي مع الفوضى ،ويختبئ خلفها ، فقط علينا إستكشافه .

شكرا يا ناصر .
مرور أسعدني بحق .