الخميس، 18 فبراير 2010

ضياع

كفى بالمرء إثما أن يُضيع من يُعيل.
ربي ، كم من مُضيع بيننا ؟! وكم من روح تجهش بالضياع ؟!
كم تُمطر أعين الحُب من وجل ؟!

كنتُ أحدثُها ، وفي زحمة الحديث ، طرق سؤالي شجنها ، فإلتمعت عيناها بالدموع !
هل أنتِ أكبر إخوانك؟!
تُجيب ، وعبرة تخنق عبارتها : لا لدي أخ أكبر مني ، وأخوة آخرون من أمي أصغر مني.
وأعلق في دهشة صغيرة :" من أمك ...؟!
وقبل أن أكمل إستفساري ، وجدتها تقول : أيوا ، أمي وأبوي منصلين ، وأمي تزوجت .
وأبوكِ؟ أبوي لا ما تزوج !
وأتمتم في همس : غريبة ، رجل وما يتزوج !!!

ابتسمتُ وعلقتُ : أبوكِ يريد يتفرغ لكِ وأخاكِ إذن ، كي لا يشغله الزواج عنكما.
فتُشيحُ بوجهها ، وتلتمع دمعة في عينيها ، تُحاول مُداراتها : لا، أنا وأخوي نسكن مع أمي وزوجها ، أبوي ما يريدنا!
وأصمت ، أصمتُ طويلا ، ولا أجد ما أقوله ।

أرهقت نفسك وبدنك يا رجل ، ما حاجتك للأولاد ، إن كنت ستركنهم للضياع ؟!
وأرهقُ نفسي في التفكير في نفسية الفتاة ، آلمتني جدا بحديثها المغلف بكبرياء شفاف ، يكاد أن يشي لك بعتمة الليل في عينيه ، ويقول لك ، هُنا يسكن الألم ، الوحدة ، الضياع .

أدخلُ غرفة الصف ، اُسأل الطلاب عن اسمائهم ، ألحظ إحداهن ، بحركتُها المشاكسة الكثيرة في المكان ، أبتسم لها ، أسألها:"تُشاركين معي في النشاط؟ تُجيب بنعم ، وتأخذ لها كرسي بجانبي ، تُحدثني ، وأستمعُ إلى ثرثرة الشقاوة فيها ، وتظلُ تحكي ، عن عائلتها ، عن أبوها الذي طلق أمها ، وأخذها بعيدا عنها وهي لا تزال في تأتأة العمر !!
وأصمت ، أصمتُ مُجددا، وأداري ما بي من حسرة بداخلي، أعودُ لأسألها : تعيشين مع من ؟ وتُجيب بإزواءة حزن : مع أبي .
ألكِ أخوة ؟ نعم ، لدي أخوة من أم !
وأبوكِ؟
أبي لم يتزوج !!

أخذني الفكر بعيدا ، أرحل مع الحيرة ، أُقلبها ذات اليمين وذات الشمال ، فتأتيني إشارة من إحداهن ، تسألني عن سبب شرودي ....
حكيتُ لها ، وأفلت عجبي مني ، أرسله لها على وهج الحسرة التي إعترتني ،أسألها : أليس غريبا ما يحدث ؟!
أُقابل اليوم فتاتين ، وتُخبراني حكايتين متفقتين جدا، حكايتين مُفصلتين بالضياع حد الألم !
ما الحكاية ؟! الأم والأب منفصلين ، الأم تتزوج والأب يبقى أعزب !
يتخلى احدهم عن أولاده ، ويتركهم ليربيهم زوج طليقته"أمهم " ، وهو على قيد الحياة !
والآخر يأخذ الإبنة من حضن أمها !

تبتسم ، معلقة :" من أخبركِ؟ البنات نفسهم؟
نعم، لكن الذي أعجب له أن الام تتزوج بينما الرجل يبقى بدون زواج ! وهذا أمر مُحير وحق رب السماء!

-الرجال يا عُلا يتزوجوا بس بطريقتهم !
-ماذا تعني ؟ تقصدي أنهم يتزوجوا زواج مسيار وما شابهه ؟
-مسيار ، وكله ، وأمام الناس والمجتمع هم مش متزوجين ،يريدوا يعيشوا حياتهم من غير مسؤليات!!
-ويتركوا أولادهم للضياع؟!
هُم بيفكروا يا عُلا ؟! الرجال صاروا أول ما يجري المال في يدهم يفكروا كيف يستمتعوا بيه ، لا بيفكر لا في أولاد ولا غيره ، تفكيرهم في الإستمتاع وبس ! يتركوا بيوتهم وزوجاتهم وأولادهم ويصيعوا في البارات والنوادي الصحية مع الأجنبيات !!

فقدتُ الكثير من النشاط ، وخارت قواي من الحزن ،
ما الذي جرى للرجال بحق رب السماء؟!
ألا يعلموا أن المشوار قصير ، وأن المرء يُردُ إلى أرذلِ العمر ؟!

أتخيلهم وهم وحيدون ، في بيت مهجور وقد نمى الشيب في رأسهم ، حتى خرفت عقولهم ، ورثت ثيابهم ، ولا يجدون حولهم من يُسقيهم جرعة ماء !!

ويحك ..إنتبه فقد

"عققت ابنك قبل أن يعقك "!!

هناك 17 تعليقًا:

رحمة الهاشمية يقول...

غاليتي يقول عليه السلام"كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"

ويقول الله عزوجل "قفوهم فإنهم مسؤلين" الإسلام يعلمنا على المسؤلية لكن لا حياة لمن تنادي

نسال الله صلاح الحال..أعجبني إحساسك الصادق

عُلا الشكيلي يقول...

رحمة ،
ومثلكِ نسأل الله الصلاح .
دمتِ بجمال الإحساس عزيزتي.

lina يقول...

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

يسعد صباحك يا علا ..و انا كنت اتساءل عن طول غيابك ..و طل علينا القمر من جديد

قصص مؤثرة و الله تقطع الفؤاد ..و الضحية دائما الاولاد..استغرب وجود مثل هذه القلوب القاسية ..

حميل شعورك النبيل ..دمت بحب.

لينا.

عُلا الشكيلي يقول...

سلام لقلبكِ يا لينا.
يُثلج صدري هذا التواصل منكِ ومن بقية الأخوة.
والله لكم وحشة ، \وما غبت بمزاجي ،
الآن لدي أجازة أسبوووووووع^_^
سأكون كل يوم هُنا ، طوال الأسبوع .
وبعده ، سأحاول أن أسرق من الوقت لحظات ، لأطل عليكم أستنشق بعبيركم .

عزيزتي ، الواقع يحكي الكثير ،
ويؤلم أكثر. وقد أسمعتِ لو ناديتِ حيا ، ولكن لا حياة لمن تُنادي .

نسأل الله الهداية.

نهروان يقول...

السَّلامُ عليْكُم
الْإِسلام لَمْ يجْعل الطَّلاقَ أَبْغضَ الْحلالِ عَبثَاً
بالطَّلاق تُغتَصب طُفولة الْأبنَاء
يَتجرعُون عُلقمَ الضَّياع وَ هُم مَا زالو في رَبيعِ العُمرِ
..
اغتيلتْ حياتُهُم وَ السَّبب هُو الطَّلاق ..!

كَفانا اللهُ شرَّ هَذه الأُمور

مسرح الحياة يقول...

استاذتي علا
إن بحثنا في السبب نجده ليس واحدا بل عدة اسباب ، فلنبدأ بأساس السبب وهو عن هؤلاء الرجلين هل تزوجا اول مرة عن حب أو زواج تقليدي ، هل يوجد فارق سني بين الازواج ، هل كان هناك تفاهم وانسجام بينهم ، انا اعتبر الزواج التقليدي ليس اسلاميا والاسلام بريء منه ، الاسلام وضع ضوابط التفاهم والخطبة ما قبل الزواج . الرجلين وقعا ضحية زواج تقليدي : يا فلان هذه فلانه زوجناك اياها وخلاص دون مراعاة مشاعر الطرفين ، وهنا من سيكون الضحية الاكبر ، إنهم الابناء وخاصة في هذا العصر من مغريات وانفتاح ، احد الاصدقاء اشار الى زواج عدد من الرجال بمغربيات بعد طلاقهم لزوجاتهم ، لانهم وجدوا فيهن ما لم يجدوه في مطلقاتهم .
انا لا ابريء الرجال ، ولكن هذا ما يحدث
لذلك حتى يبقى كيان اي اسره قويا يجب ان يبنى اساسه صحيحا

بورك قلمك استاذتي

lina يقول...

سلام مجدد علا ..

مبارك الاجازة غاليتي ..جميلة هي الاجازات.ههه

علا ادعوك لتنضمي الينا في مدونة بنت الاسلام " لكل اخت مسلمة"

شكرا لمروركِ الكريم على مدونتي المتواضعة.

لينا.

عُلا الشكيلي يقول...

مسرح الحياة ،
أتعلم ؟ كنتُ قد نويتُ أن أضيف هذه النقطة التي ذكرت أنت ، في موضوعي ،
ولكني إختزلتُها ،

معك حق فيما ذكرت أخي ، ولكن ما ذنب الأطفال ؟

بعض اللوم يقع على الزوجة نفسها ، عليها أن تُدرك أن الزمن تغير ، وأن المغريات به كثيرة ،

قلتُها في مقال سابق : على الزوجة أن تثقف نفسها في أمور عدة ، ولا تقف لتقول :هذا ما ربيت عليه ! ليس من مانع أن تعلم أمور يسمح بها الشرع ، ليتفادى الأزواج كثرة التصدام في أمور عدة .

كما ان الزوج كان ضحية زواج تقليدي ، فكذلك الزوجة ،
لذلك كان ينبغي عليه أن يفهما ويحاول التقرب منها ،
كم من أزواج تزوجوا زواج تقليدي ، ولكنهم سعيدون جدا ، لإنهم إستطاعوا خلق جو من الفتاهم الرائع بينهم وبين زوجاتهم . لكن للأسف ، بعض النساء سلبيات ويرفضن التغيير.

على كُل من الزوج والزوجة أن يضحوا قليلا ، ليصلوا لبر الأمان ، لأجل أبناءهم على الأقل.

شكرا لوقتك ولفكرك أخي مسرح الحياة .

عُلا الشكيلي يقول...

نهروان ,
لدفء حضورك هُنا عبق الياسمين .
الطلاق ، يورث نفسية ضالة مُضللة ,
وليت قومي يعلمون .

هُناك من لا يطلقوا ، بل يتركونها كالمعلقة ، ويهملوا أبناءهم !
وهم أشد وربي ، ممن طلق ، وكلهم في الضياع همُ

شكرا لقلبك يا نهروان .

عُلا الشكيلي يقول...

هلا بكِ مُجددا لينا الرائعة ،
سأكون هُناك بمشيئة الله كلما سمحت لي الفرصة .
أنتِ لم تتركوا لي الرابط !
ولكن لا بأس ، ساجده في مدونتك بلا شك .

شكرا لينا الجميلة .

نعيــ( الامير الصغير )ـــم يقول...

على الاقل يكون هناك اهتمام بالابناء ، فالحظ بالنسبة لهم هنا يكون ذو اتجاهين ، إما ان تقودهم الاقدار الى طريق النجاح او الى طريق مظلم ، والحظ هنا ليس مجرد لعبه ، انما يأتي من خلال البيئة التي سيعيشها الابناء في ظل انفصال الوالدين ، منها ـ الاستقرار ـ البيئة ـ الاصدقاء ـ المجتمع .
سرد أدبي جميل أخت عُلا لطرح قضايا المجتمع

عُلا الشكيلي يقول...

سلام الله أخي نعيم .
رأيك الذي تترك في هذه الزاوية دائما يحمل تعابير جميلة وعميقة .
بالفعل أخي ، الأبناء هم دائما الضحية ، ما ذنبهم ليكون ذاك مصيرهم؟!
الطفل يتأثر نفسيا بإنصال أبويه .
الحالة النفسية السيئة قد تورثه أمراض عدة ، وتوقعه في المشاكل !
للأسف بعض الآباء لا يفكر سوى في حاجة الطفل المادية وحسب ، ولا يسأل عن حاجته له العاطفية والنفسية !
جهل ، يأتي من آباء متعلمين في الغالب للأسف!


شكرا على الإطراء أخي ،
قد نويتُ سابقا أن أسردها كنص أدبي سردي ، وسأفعل ،
القضايا الإجتماعية حين يطرحها الأدب تكون أكثر عمقا من أن تطرح كقضية عادية"وجهة نظر"

شكرا لمرورك العطر أخ نعيم

محفيف يقول...

مساء الخير أخت عُلا ولجميع المتداخلين والقراء وعوداً حميداً
هناك مشاكل كثيرة لدينا في المجتمعات الشرقية والعربية وليس هناك بحث حقيقي عن الأسباب كما أن محاولات الحل لا تكون دائما كما يجب نتيجة الجهل من الجانبين وغياب القوانين الواضحة التي تنظم هكذا حالات.
لا يزال الزواج عندنا بحاجة إلى فهم أكبر ولا يزال لدينا جهل بأهميته وقدسيته ومسئوليته.
الوضع الانتقالي الذي نحن فيه ستظهر خلاله مشاكل كبيرة لم يظهر منها إلا القليل لأننا ننتظر وقوع المشكلة ومن ثم نشتكي عندما تصبح المشكلة ثقافة عامة..
الله المستعان..
تحياتي لك

ابن الإيمان يقول...



بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله

السلام عليكم

الاخت الفاضله علا:

أهلا بعودتك ...

وقائع محزنه ومؤلمه خفف من المها عودتك لامتاعنا بالمعاني الانسانيه التي تسطرينها هنا...

ما يلفت نظري في مثل هذه القضايا:

أولا:
قسوة قلوب الوالدين..لا يحسبون حساب المساكين الاطفال الابرياء الملائكه....

الامر الثاني المحير:

قدرة التحمل التي خلقها الله سبحانه وتعالى في الاطفال,,لاحظي شقاوة تلك البنت.. وكبرياء الاخرى..

ربما هي البراءه هي التي تعكس قوة التحمل هذه,بل هي رحمة من رب العباد للاطفال...

وكم من طفل وعى خطورة وضعه بعد طلاق والديه فكوّن نفسه بنفسه وصار علما في مجتمعه سواءا بالعلم أو التجاره....

أخيرا:

شكرا لعودتك الينا اختنا الفاضله...
وشكرا لانسانيتك وايمانك...

دمت بخير وامان

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


إبن الايمان

عُلا الشكيلي يقول...

مساءك رضى أخي محفيف ،
طابت جمعتك .

نقطة مهمة تلك التي ذكرت،
وأذكر في مقال قديم لي أنني ذكرتُ أنه يجب أن تعمل دورات للمقبلين على الزواج ، من الجنسين ، في كيفية التعامل مع الطرف الآخر ، وكيفية التعامل مع الحياة الإجتماعية الجديدة ، والتعامل مع أهل الزوج \الزوجة ، كيفية تربية الأبناء بالنهج الصحيح السليم ، كيفية إدراة المشاكل الزوجية والإجتماعية ووضع الحلول لها ، ما إلى ذلك .
وتكون الدورات إجبارية لكل من عقد القرآن ، يسجل إسمه مباشرة في الدورة ، ولكن ذلك فقط حلم ، فلا أظن أنه سيتحقق أبدا .


شكرا محفيف .
دمت بوعي أخي

عُلا الشكيلي يقول...

إبن الإيمان .
سلام لقلبك أخي ،
وطابت جمعتك بكل خير.

الأطفال هم أساس أي مشاركة زوجية ، وهم الرابط الذي يجمع بين أي زوجين ، لا أدري كيف يقسو البعض على من تسببوا في مجيئهم ؟!

الفتاة وهي تتشاقى لا يعني مُطلقا قوة تحملها ، أختلف معك هُنا ، بل يعني إضطرابها النفسي ، خرج على هيئة حركة مستمرة في الصف ، ومحاولة شد إنتباة من حولها . بحركتها الكثيرة.


هدى الله الجميع .

دمت بالإيمان سيدي

محمد يقول...

السلام عليكم.
عودا حميدا عُلا .

موضوع في الصميم فقد كثر الذين يتركون ابنائهم لأجل شهواتهم والبعض لا يطلقون وإنما يخونون

والأطفال هم الضحية ، بعدها يصاب الطفل بعقدة نفسية ومرض نفسي بسبب تلك المشاكل .

نتمنى أن ينتبه الآباء لذلك .