الخميس، 4 فبراير 2010

أزيز الاشياء*

فتاة جميلة ، صغيرة ، تلاحقني بشيطنة الربيع الشقي في أنوثتها !
لم يعد العمر مُلكي يا صغيرتي ، قد شاخت أيامي منذُ زمن ، حقيبتي مُتخمة بالأحزان ، وحقيبتُك ملئى بالأحلام ! أبواب ذاكرتي مفتوحة ناحية الماضي ، وأبواب قلبكِ مُشرعة ناحية الريح !

كل صباح ، يا صغيرة ، تتجدد أحلامك ، وتلبسين فرحكِ مبكرا ، يتقافز بنظراتُكِ مرح شقي ، تُطلين من على النافذة ، تتلصصين على لحظات خلوتي ، وتشاكسين وحدتي ! ماذا يريد، فرحكِ المتسلل إلى عُتمة أيامي ، من رجل لبسه اليأس ،ما أن يهطل الليل بلونه الداكن، حتى تتجدد أحزانه ، تراوده ،في جنح الظلام، عن نفسه!

الليل ،يا صغيرتي ، ذلك المارد الأسود ، بأضواءه الخرساء ، يًشبعني ضجيجا رغم سكونه ! يتوحد بي ، يتلبسني صمتا ، ويغرق معي في ذكراها !ذكراها التي لا تكف عن الثرثرة ، وعن العبث بكل شيء فيني !

يحاول الفرح،عبثا، أن يفك أزرار قميصه ،في مواجهة السفر، ويخرس كل أصوات الأشياء من حولي ، لكنه يعود ينكمش على نفسه ، وقميصه يزرر نفسه إستعدادا للرحيل ! وتعود ذكراها هي ، وحدها ، تتوحد مع عتمة ليلي ، تبثُ أنينا موجعا بداخلي !

دعيني أسرد لكِ من تكون تلك ، لكن لا تتأففي ، لأن غيرتكِ ستحضر حتما ، على وقع السرد،المجلود، بسياط الحب والشوق إليها .


بقايا الأثاث الذي تركته لي ، يذكرني بها، فللأشياء ذاكرة لا تموت ، و أفواه لا تكف عن الثرثرة ، وإن ذهب صدى مالكها ناحية التراب ، يمسد جسده ، وضلوعه ، إستعدادا لراحة أبدية ، تظل هي-أشياءه- شاهدة لأفعاله ، كلامه ، ثورات غضبه ، ساعات حزنه ، وجنونه ..

أدخل غرفتنا ، تستيقظ في داخلي كل ذكرياتي معها ، فكل شيء يحكينا قصة ، ويروينا ،أحاديث هوى ، لا تنتهي ، ولا يملها السامعون ! تظل تثرثر ، طوال الليل ، عنها ، وترسل إليكِ وإلى المارين من خلف النافذة ، أنوار روحانية ، تتسلل عبر أجسادهم، لتسكن أرواحهم ، بدفء ! فتتذوق قلوبهم ، طعم الحب الذي أتى من زمن بعيد ، عتيقا جميلا ، غاليا جدا ! فيحلمون بمثله أن يسكنهم ، كما تحلُمين أنتِ الآن .

كل شيء ، في زاوية العمر ، يُذكرني بها ، ويغلِق الأبواب على ذكراها ، ويقول ، هيت لك ، فالذكرى ذكراك ، عليك ان تنفرد بها، وحدك .

لذا ، لا مكان لكِ هُنا يا صغيرتي ، لأن المكان مُحاط بالوفاء ، مُغلف بالإخلاص ، عبثا تُراودني أنوثتكِ ، الطاغية ، عن نفسها ، عبثا تتسللين إليً ، فأنا ماضِ مع ذكراها بلا إلتفاتة لضوء .

أتسمعين ثرثرة الأشياء حولي؟ ذلك المشط الذي رمتني به يوما ، حين ذخلتُ عليها وهي تصفف شعرها ، وكانت قد أغضبتها مُداعبة شقية مني ، وتجرأ هوسي بها ، أن يشاكسها ويعلن لها –كذبا- أن وجهها بات أربعينيا جدا ، وأن نضارة العشرين إختفت من شفافية روحها ، وأنني بصدد البحث عن أخرى، تُقاسمني نضارة الحياة ، وتُلبسني حبور العمر .

يومها ،شعرتُ بأنوثتها تئن ، وبقلبها ،حاسر النبض ،ينكسر ببطئ ، يوشك أن يتشظى من الألم . فـ ويح نفسي كيف كانت شقاوة رجل الأربعين ظالمة فيني !
المرايا ، يا صغيرة ، تحكي عنها كل ليلة ! هل يستطيع جمالك أن يقف أمام جنون المرايا ،وهي تثرثر، في آذان الاشياء ،من حولي ، عن ذكراها ؟!

يا صغيرتي ، فليكف جمالك عن الثرثرة ، لأن شعوري ، في غياهب جب ماضي، يسرد ذكراها فقط ، وقد غاب وعي الضوء من حوله !
أنا كفيف ، لا أبصر سوى طيفها ، وأبكم لا أغني سوى لها ، وأصم ، لا أسمع سوى حكاياتها الراحلة ناحية الفردوس !

سأحكيها رواية يوما .... وستقرئين وتذكرين ما أقوله لكِ!
قد شاخت أيامي منذُ زمن ، حقيبتي مُتخمة بالأحزان ، وحقيبتُك ملئى بالأحلام ! أبواب ذاكرتي مفتوحة ناحية الماضي ، وأبواب قلبكِ مُشرعة ناحية الريح .....


عُلا الشكيلي

هناك 12 تعليقًا:

غير معرف يقول...

بلاظل..
جميل جدا ما قرات ..
ساكتفي يالقراءه فقط لانها بجد جميله..

ابن الإيمان يقول...


السلام عليكم

آه والله

للعمر أحكامه....

وللزّمان سلطانه...

وللحب آماله وأشجانه...

وشروطه وأركانه....
أولها الوفاء...وثانيها الإيثار.
وثالثها الصدق..ورابعها الدوام.

وخامسها الصبر...وسادسها الهيام..
وسابعها الشوق..وثامنها الامن والامان..

والتاسع..والعاشر..
وأخيرا...

دوام الحال من المحال..

ولكل زمان دولة ورجال ...

ومن ذلك قول الشاعر:

ألا ليت الشباب يعود يوما

فيرى ما فعل بنا المشيب...


والسلام ختام


إبن الايمان

محفيف يقول...

"أنا كفيف ، لا أبصر سوى طيفها ، وأبكم لا أغني سوى لها ، وأصم ، لا أسمع سوى حكاياتها الراحلة ناحية لفردوس !"
ما أجمل الإخلاص والوفاء لعشرة العمر...
هل هذا موجودٌ عندنا؟! إن كان فهو قليل جداً...
شكراً لك أخت علا دائما استمتع في هذه الزاوية...استمري بهذا الابداع

عُلا الشكيلي يقول...

بلا ظل .
الجميل هو مرورك الرائع أخي .
شكرا لوقتك ولذائقتك .

عُلا الشكيلي يقول...

إبن الإيمان .
وعليك من الله السلام.

مرور ينتشي به القلم فخرا.
دمت كما ينبغي لأمثالك أيها السامق.

عُلا الشكيلي يقول...

محفيف.
ربما قلمي يحاول أن يغرس وردة
من ورود الزمن الجميل.
زمن الوفاء، وإن حلق في سماوات الخيال ، عل أرض الخيال تنبت واقعا يوما ما .فيزهر الإخلاص لمن رحلوا .


دمت كما ينبغي لأمثالك سيدي .

lina يقول...

السلام عليكم و رحمة الله و يركاته

كالعادة علا تركتنا نبحر بين امواج قلمك الرائع ..

جميل جدااا

مزيدا من التوفيق..

لينا.

صُعْــــلوْكْ يقول...

أنا رجعت..

جمييييييييييل وغاوي يا علا

عُلا الشكيلي يقول...

لينا ، أيتها الجميلة ،
شكرا لعبورك المميزة دائما.

الجمال تجلى بوجودكِ عزيزتي.


ودي لقلبك

عُلا الشكيلي يقول...

صعلوك.
أهلا بعودتك أيها الطيب.
وشكرا على الإطراء.

إحترامي

عُلا الشكيلي يقول...

الاخ محمد الشكيلي.
أبو طارق.
رأيتُ تعليقك في نافذة الإشراف.
ولا أدري ما الذي حصل!!!

لقد عملت قبول للتعليق.
ولكن التقليق لم يُنشر!!!
إن كان بإمكانك إدراج التعليق مجددا ، ولك الشكر .

وقد حصل نفس الامر سابقا مع معلق آخر "سيف الشكيلي"

فالعذر كل العذر منكم إخوتي.

إحترامي

ابن حواء يقول...

سلام الله عليكي استاذتي الفاضله بصراحة الامر اتمنى لو اذكر ما قلته من قبل ولكن لااقول الا بورك فيكي مسعاكي واتمنى لو اجد مشاركات تناقش مواضيع خاصه في المجتمع مثل ماعهدتك في الصحف اليوميه