الأربعاء، 12 أغسطس 2009

الأقنعة بين التجمل ، وسفور التملق

الأقنعة ، بين التجمل، وسفور التملق.

التجمل مع الناس، يسلك طريقين،
إما تجمل من أجل بث روح الجمال،
في النفس البشرية،وغرس إبتسامة مودة بين القلوب
المتلاقية ذات تجمع ، يرسل الكثير من إشارات الحب والمودة ،
ووأد البغضاء، وأنتكاستها، كي لا تقوم لها قائمة ، بعد ذلك.
وإما تجمل قبيح ، يهدف صاحبه إلى إخفاء حقيقته عن الآخر
بالكامل، فيتلبس ثوب النفاق ،وتظهر شخصية سافرة بالتملق البغيض.

كنت دائما، لا أحب مستحضرات التجميل، التي تغطي
ملامح الوجه بالكامل، إنما أعشق تلك اللمسات البسيطة
التي تعمل على إخفاء بعض العيوب، وإبراز الجمال
في تقاطيع الروح بشكل غير مبالغ فيه، فالجمال
دائما في البساطة، وإظهار حقيقة ملامحنا
كيفما هي، مقتنعة أنا بذلك تماما.

ولكن في أحايين كثيرة قد يطمح البعض إلى الحياد
عن قناعاته تلك، والعمل بعكسها، ليس بهدف
تغييرها، وإنما من باب التجربة. ليزداد تأصلا بقناعاته.

في أحد المناسبات ، الإجتماعية، قررتُ أن أجرب
التحول عن ملامحي، فتركت فرشاة المزينة
تعبث بألوانها على صفحة ، وجهي"روحي".

كنتُ أراقبها وهي تضع اللمسات الأولى ،
أحسستُ بأنني بدأتُ بالتحول، وأن ملامحي بدأت بالطمس فجأة،
بفعل فرشاة تغتالني بحركاتها ، لتظهر ملامح أخرى لا تشبهني أبدا.
أحسستُ بالغربة، ترواد ملامح وجهي عن نفسها،
كنتُ سأصرخ بها أن توقفي، ولكن من باب حب
التجربة تركت لفرشاتها مواصلة الرسم على صفحة وجهي.

حين إنتهت المزينة، نظرتُ إلى نفسي في المرآة،
شعرتُ بإغترابي عن ملامحي ، وببعدها عن طبيعتي
وبساطتي، ولكني إبتسمت، وأوهمت نفسي ان التجمع ذاك
قد أحتاج فيه لبعض الرتوش على ملامح روحي، حتى
وإن إضطررتُ إلى إغتصاب إبتسامة عنوة من بين شفتاي،
وإرغام لساني على الخوض مع الخائضين، والتملق والتملص
من كراهيتي لبعض الأمور التي يغلفها الرياء.

وفي كل مرة أنظر فيها إلى مرآة الواقع، أقترب منها،
لأقرأ تفاصيل روحي وأسمعها عن قرب، كنتُ أشعر أن
ملامحي تصرخ، مختنقة،فأتجاهل صراخها، وامضي ،
بلا إكتراث،لضجيجها المتبعثر داخلي.

المكان، مكتض بالحضور، ولابد أن اكون الأكثر لباقة ،
الأكثر جاذبية، ، او من ضمن الذين يلفتون الأنظار
حولهم لجمال أقنعتهم التي يتوشحون بها ، كل حين،
ولو كان حضور يغلفه الرياء ، ويسكنه التلمق، حضور يبدو جميلا ، و
لكنه يخفي الكثير من القبح وراءه، كونه لا يأتي إلا على بساط الكذب ،
حين الإبتسام وحين الكلام.

رحتُ أتنقل بين الحضور، موزعة إبتساماتي هنا وهناك،
في كل إبتسامة، أشعر بوزر كذبة يلاحقني إثمها، بها وشاية الرياء،
وطمس معالم الحقيقة، بكامل بساطتها.

كنتُ بين الفينة والأخرى، أتخذ لي زاوية لا تعبرها نظرات الحضور،
أسترق فيها النظر إليَ، أفتش عن ذاتي المغمورة بعيدا خلف قناع ،
أتى به ثوب اللحظة، وسيذهب بعد خلعي لها، أو خلعها لي!

أنا جديدة، بملامح غريبة، قبيحة، برغم جمالها الظاهر،
إلا أنها قبيحة بإغترابها عني، عن بساطتي.
كنتُ أفكر فيمن يعشقون التحول عن ملامحهم،
والإبتعاد عن حقيقتهم، أولئك الذين يتفننون في وضع الاقنعة،
كيف لملامحهم كل تلك المقدرة على التخفي خلف الأقنعة تلك،
دون أن تطالها شمس الحقيقة أبدا ، ولا أن تتنفس طبيعهتا التي جبلها الله عليها؟!

لابد وأن ملامح شخصياتهم الحقيقية إختنقت،
بفعل تلك الطقوس اليومية، التي تقرضها عوامل تعرية كاملة ،
لكل الجمال بداخلها، حتى تمسي مقفرة إلا من الرياء .
حتى اصبحوا كل يوم بل كل لحظة بقناع جديد، ذلك
لأن الأقنعة بطبيعتها لا تدوم طويلا بل سرعان ما
تذوبها الحقيقة، وتذوي تحت شمسها الحارقة،
فيسارعون لإستبدالها كل لحظة، والمحزن
بل والمؤلم انهم لن يستطيعوا الرجوع إلى ذواتهم
إلا بعد عناء شديد، وربما لن يستطيعوا الرجوع إليها أبدا.

أتساءل بين الفترة والأخرى: هل تبدو الروح
جميلة حين ترتدي ثوبا ليس ثوبها؟!
هل تبدو المشاعر حقيقيةحين تغترب عن ذاتها ؟!

هل نبدو حقيقين حين نطمس ملامح أرواحنا،
ونغتال البساطة والجمال بداخلنا؟!

بعد تجربتي الأولى، قررتُ أن تكون الأخيرة، فأنا أعشقني
ببساطتي، لن أخنق مسامات ملامحي مجددا، لأجل أن
أظهر بوجه آخر، بقناع لا يشبه روحي ولن يشبهها.

همسة: المُنافق والرائي ، كالباني على رمل ، اضاع عمله !

ملاحظة\المقال نُشر في آفاق الشبيبة الأربعاء 12\8\2009

ليست هناك تعليقات: