الاثنين، 28 يونيو 2010

إنك لا تشعر بالسعادة ، إلا بالقرب منه !

" إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون "
فكرتُ كثيرا في معنى الآية ، مع إنه واضح وصريح جدا ، ولازال البعض يظن أن الله يظلمه !
كنتُ أقول :"كيف بمن وصف نفسه بأنه "عدل " يظلم ؟!
ومن يظلم ؟!
مخلوق ضغيف ؟!
هل يتوافق ذاك الكلام والفكر السليم ؟!
إذن ما سبب الآلام التي نكابدها وما سب المصائب التي تقع على البشر ؟!
يقول العلماء :"ان الأمر جله بين "إبتلاء وجزاء "
فإن كانت المصيبة جزاء ، فيرفعها الله بإقلاع العبد عن ذنبه وتوبته "الصادقة" إليه .
وإن كانت "بلاء" فيرفعها الله بكثرة الدعاء "هكذا نرجو ، والعلم عند الله .

كنتُ أقول لأحد الاخوة وأنا أتحاور معه في هذا الشأن "إن الله يُجازي المرء في أبناءه أو في ماله .
فأكبر قولي ، وتعجب منه ، وقال لي:"إستغفري الله ، فلا تزر وازرة وزر أُخرى "
قلتُ له :"أوليس المال والبنون زينة الحياة الدُنيا "؟!
قال :بلى .
قلتُ :فبذاك الله يبلو المرء أو يجازيه
.
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة: 155/ 156 /157)

وفي قصة موسى والعبدالصالح ، ان الله علم فساد إبنهم ،وصلاحهم ، فأراد أن يبدلهم "لتقواهم " خير منه .

لا شك أن تقوى الله ترفع عن المرء الكثير من المصائب ، إن لم ترفعها جميعها ، وحين يُدرك المرء ذنبه ، يعلم بأي ذنب وقعت مصيبته .

قرأتُ مرة ان العالم الكبير محمد بن سيرين ، حين أفلس تماما وكان تاجرا كبيرا يتاجر في الزيت ، بكى وقال :عايرتُ رجلا مرة بأن قلتُ له يا مُفلس ، يقول :"فأفسلتُ بعد أربعين سنة !!
وقصة إفلاسه انه وجد فأرة في احد قنينات الزيت التي كان يبيعها ووضع كُل ثروته فيها ، فخشي أن تكون الفأرة قد خرجت من صهريج الزيت الكبير الذي عبأ منه ، فسكب كُل الزيت وأفسده ، وهكذا أفلس إبن سيرين ، ولكنه علم مصدر مصيبته تلك ، وبكى ذنبه وتذكره بعد مضي أربعين عاما !!

فمن منا اليوم يستطيع تذكر ذنبه الذي إقترفه منذُ سنة أو أقل ؟! وأي ذنب ؟! ذنب صغير مثل ذاك ، قد نفعله ونقترفه عشرات المرات في الإسبوع الواحد دون ان ندري .

الأب والام حين يكونا صالحين فإن الله يُبارك لهم في ذريتهم ، وليس معنى الصلاح كثرة الصلاة وإنما جمال القلب ونظافته من الأدران والشوائب ، وبسط اليد ولو بالقليل .

أسمع كثيرا عن أشخاص لهم دخل شهري يتعدى الألف والألفين ،بل ربما أكثر ، وتجدهم بآخر الشهر يصرخون من ضيق ذات اليد !! او تجدهم مُتذمرون من كُل شيء حولهم ، ولا يجدون السعادة أبدا !!
ربما لأنهم نسو الله فأنساهم انفسهم .

تذكر الله ليس باللسان ولا بالكلام ، الله اكبر من يكون مجرد كلام على أطراف اللسان .

هل قرأتُم لــ "مصطفى محمود " ذلك الدكتور العالم الذي ألحد ، ثم رجع وإيمانه يُضيء من حوله ، وألف كتاب"طريقي من الشك للإيمان "
كان في أحد كتبه يقول –فيما معناه – أنه يسأل نفسه :"اي لحظات حياته هي الأجمل ؟
هل لحظة تخرجه ؟ أم لحظة نشر أول عمل أدبي له ؟ أو أو أو ...الخ .

فكان يقول :"انه لم يشعر بسعادة قدر تلك السعادة التي أحس بها وهو يسجد بين يدي الله. و يقول –فيما معناه – أنه شعر بكل خلية في جسده تسجد وروحه تسبح في ملكوت الله ، وعيناه غارقتان مغرورقتان بالدمع ، يقول :"فوجدتُ سعادة والله لم اجد مثلها أبدا ، حتى انه حاول أن يعيد اللحظة ذاتها عدة مرات ولكنه لم يُفلح !


هي لحظات قربنا من الله ، لحظة نغسلنا من كُل أدران القلوب ، ومن كُل أطماع الدُنيا ، فتتعرى لنا الحقائق ، ويتجلى لنا الحق .

هناك 12 تعليقًا:

المجهول يقول...

يالله من كلمات

سرت في جسدي رهبة الخالق و الخوف من ان اكون قد اغضبته في شئ


موضوعك رائع جعله الله في ميزان حسناتك

وفقك الله دوما الى ما يرتضيه

المجهول يقول...

كلمات اكثر من رائعه و قد هزت الوجدان

جعل الله هذا الموضوع الرائع في ميزان حسناتك

و وفقك دوما الى ما يرتضيه

غير معرف يقول...

مع خالص إحترامي سيدتي الفاضله، ولكني لا أتفق مع ما أوردتيه هنا، أو عالأقل أكثره، هل بالفعل نستطيع القول إن المصائب هي بين إبتلاء وجزاء؟ أرى أن ذلك غير منطقي، فإذا كانت جزاءا فإن الله سيأخذ الدنيا ومن عليها لو كان يحاسبنا بأفعالنا، فذنوب البشريه ليست من قبيل معايرة فقير بفقره بل هي أكبر من ذلك بكثير!
ثم لو كانت إبتلاءا؛ ما ذنب ذلك الذي ناله الإبتلاء أن يتعرض لإمتحان أصعب من غيره؟ هل ذلك عدل؟

عُلا الشكيلي يقول...

المجهول ،
سيد الكرم أنت،
شكرا لروحك ، لقلبك ، لجمال حضورك هُنا .


دمت كما تُحب ، راضي مرضي عنك .

عُلا الشكيلي يقول...

غير معرف ،
اهلا بفكرك القويم ، يطرب فكري هذا المرور .

بخصوص البلاء ، فمؤكد أنك قرأت الحديث الشريف الذي يقول :"أكثر الناس بلاءً ، الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل من الناس، يُبتلى المرء على قدر دينه ....الحديث .

فالله -حسب ما أعلم ،والعلم له وحده - ينزل البلاء بالعبد ليخفف ذنوبه أو ليزيده قربا منه .

وماذا إذن إن لم تكن المصائب بين إبتلاء أوجزاء؟! ماذا تكون إذن ؟!ولما لم يصرح علماءنا بغير ذلك ؟!

ألم تقرأ قولله تعالى :"وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم وليس الله بظلام للعبيد"؟!

نعم أخي ، الذنوب أكبر بكثير من مجرد معايرة فقير بفقره ، ولكن كُلما زاد قرب العبد من ربه ، عُجل في حسابه على ما إقترف من آثام حتى و وإن كانت هينة بسيطة ،حتى يمشي على وجه الأرض ليس عليه ذنب ، فالشوكة تدخل في قدمك يحط الله بها عنك خطيئة -هذا ما قرأناه وعرفاه والعلم عند الله .

بخصوص نقطة "الإبتلاء" فقط أجبتُك أن المرء يُبتلى على قدر دينه وقربه ومنزلته من الله .


شكرا لمرور يفخر به الفكر سيدي\سيدتي

نعيــ( الامير الصغير )ـــم يقول...

وفوق هذا اختي علا إن الله ارحم الراحمين .. فمهما تصيبنا المصائب والشدائد دائما نجد خلاصها عندما نقول يا الله ، فبذكر الله تطمئن القلوب .. السعادة ليس في المال ، والغنى والفقر نسبيان ، السعادة في حب الله والوطن والانسانية ، السعادة ان يحمل الانسان في قلبه الصفاء والنقاء

لسنا ملائكيين فنحن نخطيء دائما ، ولكن نتعلم من الخطأ ونعتذر الى من اخطأنا في حقه ، فليس العيب في الخطأ ولكن العيب ان نتركه ونتعالى على انفسنا .

عُلا الشكيلي يقول...

دائما أنت ترقى بإنسانيتك أخي نعيم .
السعادة بمعية الله ، صدقا وحقا لم أجد ألذ من ذكر الله في ساعة خلوة ودموع تنهمر بلا سبب سوى لذكر الله .

السعادة ، أن تكون إنسانا قبل أي شيء آخر ، تحب وتعطف على الغير ، وتسامح وإلى ما ذلك من صفات إنسانية جميلة .

شكرا نعيـ(الإنسان الكبير)ـــم

غير معرف يقول...

سيدتي الكريمة .. برأيي أنه لا علاقة للمنزلة والقرب من الله عز وجل في قدر الإبتلاء، فعلى سبيل المثال أن ملحداً لا يؤمن بالله وذهب إبنه الحبيب ضحية حادث ما، هل نصنف ما أصابه تحت البلاء أم الجزاء؟!

بحسب تلك القاعدة، فإنه إن كان إبتلاءاً فهو قريب من الله، وهو ليس كذلك! طيب لو كان جزاءاً أليس ذلك ظلماً له كون قرينه - إفتراضاً- ملحد هو الآخر ولكنه لم ينله ذلك العذاب وإنما أجل عذابه حتى يوم الحساب؟!

طيب سؤال آخر كذلك، لو كان أن أحداً ما صام وصلى وقام ولم يصبح له من الذنب ما يوجب عذابه، فهل كلما زاد بصلاته وقربه من ربه زاد ما يناله من دنياه من خير ونعمة ؟!

بما يخص الآية أسأل التالي، أليس ما يصيبنا من مصائب كان من أمرنا وإختيارنا؟ مثلاً .. رجل ما تعرض لحادث سيارة، ربما ذلك حدث بسبب سرعته الزائدة أو تشتت فكره، أو خطأ أقدم عليه بإختياره الحر وبإرادته ..

في الحقيقة أرى أن ذلك أمراً يستحق التمحيص أكثر، والله تعالى جل بحكمته هو من يعلم غيب ذلك.

عُلا الشكيلي يقول...

يالله كم هو رائع أن نتحاور من هم بمثل فكرك أخي غير معرف !

أحب هذا الفكر ، وهذا التمحيص والمكوث طويلا حيثُ الفكرة الواحدة .

سأعود قريبا للرد على محاور كريمة ، سخية بوقتها .

سأعود

عُلا الشكيلي يقول...

سلام الله . وصباح يترجم الفكر جمالا .
سيدي غير معرف ، شكرا لتواجدك المثري هُنا .

قولك انه لا علاقة بقدر الإبتلاء بالقرب من الله ، يتنافى مع الحديث الشريف :"....يُبتلى المرء على قدر دينه ... "

فالله لا يبلي إلا المؤمن ، وهو القائل :"ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ....الآية .

وقال أيضا :"أحسب الناس ان يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون "

اما عن الملحد كمثال ، فهو لا يمكن ابدا أن يُبتلى يا سيدي ، وكيف يُبلى من لا يؤمن أصلا؟!

قل إنه قد يكون "قضاءً ، أو قُل أن الإبن إصطفاه الله لقربه لأنه علم صلاحه ربما ، وفساد أبيه ،قل ما شئت من الأسباب ، فإن عجز عقلك عن الإستيعاب ، فإرجع الأمر للحكمة .

قال ابن الجوزي في كتابه:"صيد الخاطر :" فمتى ما جرى أمرا لا تعرف علته فإنسب ذلك إلى قصور علمك ، وقد ترى مقتولا ظُلما ، وقد قتل وظلم حتى قوبل ببعضه ، وقَلّ أن يجري لأحد آفة إلا ويستحقها غير أن تلك الآفات المُجازى بها غائبة عنا ورأينا الجزاء وحده "! ...من كتاب "صيد الخاطر لإبن الجوزي .

اما سؤالك عن المؤمن الذي صلى وصام وقام ، حتى لم يبقى له ذنب ، فأمره عند الله ،والله أعلم بما في النفوس .

صدقت في حقيقتك التي ذكرت في آخر كلامك سيدي .

شكرا لوقتك ، لفكرك ، لجمال خلقك .

ابن الإيمان يقول...


السلام عليكم
أختنا الفاضله الكريمه(علا):
باركك الله تعالى وبارك في ايمانك وعلمك وحلمك....
مشاركتي هي بهذه الآيات الكريمه..على موضوعك القيّم..:


يقول الله تعالى:
((وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه : 124]

قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً [طه : 125]

قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [طه : 126]

وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى [طه : 127]

أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى [طه : 128]

وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى [طه : 129]

فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى [طه : 130]

وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى [طه : 131]

وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه : 132]

وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى [طه : 133]

وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى [طه : 134]

قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى [طه : 135]

))

عُلا الشكيلي يقول...

سيدي ابن الإيمان ،
جزاك الله خيرا أخي ، وزادك علما وفضلا .

بليغ جدا تعليقك ، والعبرة لمن إتقى .


شكرا لروحك ، لقلبك ولوعيك ، لنور إيمانك الذي أهديت لنا .