الأربعاء، 10 مارس 2010

جُرُمْ*

جُرُمْ

أنت واضح وصريح ، مريض بالطيبة جدا ، ولا أدري متى سيشفى قلبك من طيبته العمياء ؟! الطيبة تجلعك لا ترى ما وراء الأقنعة ، ولا تنتبه للسوس وهو ينخر في سنك .
كنتُ كلما أخبرتُك بوجوب الحذر منه ، وألححتُ عليك بضرورة غسل فمك بعد كُل حديث يدور بينك وبينهم ، كي لا تمكثُ فيه جرثومة نتنة ،إلتقطها ذات رذاذ متسخ بنجاستهم جدا ، تجرع ريقك آلاف المرات ، وتُمسد جبينك بقوة ، وتدور حول كعبتك ، تفرش، لحسن الظن، سجادة خضراء ، لتصلي فيها وحيدا ،وتظن أنهم خلفك ،يوحدون الصفوف ، ويسدون الثغرات بينهم ، بينما هُم يعمقون الحفر بين قدميك ،سوسهم ينخر في كُل شيء حولك .

وحين كُنت تعود باكيا ، في المساء من وجع الخيبات الكثيرة التي تلاحق طيبتك ، تشتكي أنك لم تستطع أن تردع تلك الطيبة عن قلبك ، وتُقصيها بعيدا عنك .
كنت بعد كُل خيبة منهم ، يعود قلبك يدخل محراب طيبته ، ليفترض حُسن النوايا في الناس كُلهم، حتى في الأسنان التي تركت آثارها على جسد النهار ، وضوءه يسيل بظلمة لا تنتهي ! وهم لا يزالون يثرثرون في الظلمة ، وضوءك لا يزال يزج نفسه إلى جحورهم . تفرش سجادتك ، تصلي لهم إثر كُل عواء ، ولا تفطن أن أسنانهم المضرجة بالحسد ، تتميز غيظا كُلما شاهدت الضوء يتحلق حولك ، فتأتي مُسرعة لتدُسك في الظلمة ، وتغلِق الأبواب عليك . وأنت لا تزال مغيبا بحسن الظن بهم ، كوليد مُغمض العينين ، لا يزال كُل شيء فيه طاهرا . يفصل ، بين طهرك ونجاستهم ، قماط لفته حولك قابلة إثر ولادتك مباشرة ، وبقيتَ وبقى الحبُ يرتع داخلك في براءة لم يعهدها العواء الذي يحوم حولك ، يكاد أن يقضم أضواء نهارك ، لذلك لاتزال روحك طفلة، طاهرة ترقد بسلام في مهد جسدك الغض .

وحين كنتُ أحاول أن أفك قماطك ، وأحرر روحك من طفولتها الأبدية ، كانوا هم يبعثون حشرجات مُخيفة تصدر من صدورهم المكتنزة بظلام الليلة المشهودة ، الليلة التي إبتلعوا سوادها كُله في بطون نياتهم ، حتى ضجت أرواحهم بالظلمة .
وعند ساقية كُل ظُلمة ،يمطون لك أعناقهم ،يتلون عليك سذاجتك ، يتجسسون على ما في مائدة قلبك ، ليسردوا آلام وجعك قي أذن الليل ، ينثرون سرك في الظلام ، وحين تشرق شمسك ، تكون قد فقدت ضوءها تماما ، وغاصت في لج من الظلمات، وسرك يتناثر على مسامع المكان من حولك .

تظل براءتك وروحك الطفولية تسأل عن سر غياب الضوء من عين الشمس ، وعن سر العواء الذي يتربص بأذن قلبك ! وكُلما هممت ببعثرة الظلمات من حولك ، ومددت للنور يدا ، وبصقت في عين الخطيئة ، وأشرقت الزقاق من حولك بنور طُهرك ، أخذتهم الريبة إلى دهاليز تشي بما يسكن نفوسهم من حسد ، ويظلون ينظرون إليك من طرف خفي ، يكادوا أن يزلقونك بأبصارهم كُلما إقترب ضوءا منك .

نصحتُك مرارا أن تزرر قميص قلبك الطيب ،وتُهاجر إلى حيثُ وطن لا فضاء يتسع فيه لنعيق غراب، وطن يزقزق الطُهر في فضاءه . أخبرتُك أن تُفرغ حقيبة ذاكرتك منهم في جُب النسيان .وتبزق عليها كُل ما تجمع في فمك .
لكن ،طيبتك، تحول بينك وبين ذلك ، وتظل تحدق في عين الشمس طويلا ، تُفتش عن ضوءها ، تسأل المكان عن حكاية رحيله.
حتى يُرى بريق الدمع في عينيك ، وتعود تنكمش على نفسك ، تقترض من الضياع خيباته ، ومن الغياب أوجاعه ، لتغرسها في قلبك ، وتطوف حول كعبتك تتلو حسن الظن، بالظلام من حولك !!

عُلا الشكيلي

*نص سردي

، نُشر في مُلحق آفاق التابع لجريدة الشبية ، اليوم الأربعاء الموافق ९\३\2010

هناك 6 تعليقات:

نعيــ( الامير الصغير )ـــم يقول...

سرد جميل ... وهذه هي الحياة
والطيب ضحية نفسه وضحية غيره
( هذا حسب رأي )
أخت علا :
جُرُمْ: هل بمعنى جريمه ، ام معنى آخر ؟

نرضى بالرحيل يقول...

غبت عن هذه المدونه لظروف خاصه..
ما اعجبني فيكي لانكي دائما ما تتقدمين الى الامام..
وفقك الله ..
كوني فالقرب لاننا نكون فالقرب..
بلا ظل..

عُلا الشكيلي يقول...

نعيم ، أيها الأمير الصغير.
لإطلالتُك هُنا ألف شكر .

نعم يا نعيم ، هو جرم من الجريمة ،
جرم بحق الذات ، حين تُنصف الآخر ، وتنسى نفسها.
حين تنصف الآخر ، وتظلم نفسها .

شكرا مُجددا لعبروك المميز دوما يا نعيم

عُلا الشكيلي يقول...

نرضى بالرحيل.

شكرا لما قلت في حقنا أخي .
وأتمنى أننا كذلك فعلا .

أهلا بعودتك أخي

عُلا الشكيلي يقول...

الاخ \إبن حواء.

رأيتُ تعليق لك في نافذة الإشراف على التعليقات ،
ونشرتُ التعليق.
ولا أدري لما لم يتم نشره؟!!!

بحق لا اجد تفسيرا لإختفاء التعليقات هذا !!!

عموما شكرا لمرورك الكريم سيدي على مساحتي هذه .

ابن حواء يقول...

لا شكر على واجب استاذتي الفاضله واتمنى لو اشوف اسهاماتك في مواضيع تخص المجتمع محط للنقاش