السبت، 15 ديسمبر 2007

أحزان المدينة

أحزان المدينة، "قصة قصيرة جدا نشرتها في جريدة الوطن بتاريخ/22/مايو 2003م


أحزان المدينة


استيقظت المدينة كعادتها عند الصباح، على أبواق السيارات ، وضجيج الصالات،

وعلى مقربة من الرصيف ... تسترق أذناي هلوسة عيز مفهومة، وهمسات مكبوتة .

أراه من بعيد ، عاري القدمين، .. تصرفاته غير المسئولة أبرزت للرائي هويته، إنه مجنون يجوب شوارع المدينة،

ترمقه أعين المارة .. تضحك ،، تقهقه، ترمقه بإشمئزاز، .. تتعجل خطاه، فيتعثر،، تلتصق يداه بسيارات المارة، تتعقبه الصرخات واللعنات!!

أطلق صرخاته ، بحثا عن صدى لها بين الجموع، لا شيء سوى التقريع يسمعه!!

يرمقه المارة ويضحكون، ويرددون بسخرية، ذاك المجنون، يقول"!!

صرخ فيهم، إني لا أريد عونكم، ولكني أستنهض هممكم، فعما قريب سيغدو قصركم المشيد هباءا ، ولست أول ولا آخر من غره السراب،.. الآفة الصغيرة تتلاعب بأساس بنائكم، فلا يغرنكم صغر حجمها، فهي مع بنات جنسها، تغدو جيشا ظالم، قد لا تستطيعون له ردما، ها هي تفقد من بنائكم الطوبة تلو الطوبة،

ويضحك الرجال ويرددون بسخرية:" المجنون يقول...!!

صرخ فيهم:" مدوا أيديكم، للتراب ، إقرأوا بين ذراته جيناتكم المتحللة،

ويقهقه الشباب ويرددون بسخرية:" ذاك المجنون يقول...!!

أكمل حديثه في أسى يخاطبهم:" أرواحكم تختنق بين ضلوعكم، والغيث عن يمينكم والطوفان تحت أقدامكم،فتضرعوا لله، وتحروا ذات اليمين منكم، وصلوا أرحامكم،"

سئمت النساء منه، وتأففت،

ثار الرجال عليه، رجموه بالحجارة،

لفظ أنفاسه الأخيرة، وهو يحتضن الثرى، ويشير بيده إلى الأفق البعيد، حيث ناطحات السحاب تتهاوى، وتتساقط الثلوج في غير موعدها، فالسماء تبرق، وصوت الرعود يسد الآذان، وقالوا هذا عارض ممطرنا، بل هو ما إستخففتم به من العذاب،

رحل المجنون، وخيم الصمت على المدينة، رسمت معالمها الأحزان، أمست موحشة مقفرة، .

ومن الزاوية المضيئة في الظلام، ترصد عيناي بصيص امل ، تبعث به عيون بريئة، تسترق نظراتها الطفولية إلى المدينة بحزن، تحتضن جثة المجنون فأرى الامل نبراسا يضيء مستمدا نوره من شعاع أعينهم،

ليست هناك تعليقات: