الثلاثاء، 19 يناير 2010

آثام مسعورة*


آثام مسعورة


إنك تدفعني للضحك، ضحك مؤلم حد البكاء ، ماذا كان يتوجب علي أن أُخبرك ؟! كل شيئ حدث أمام محكمة عقلك ، وفي مكان قصي عن قلبك ، أو ربما أقصيته بمزاجك ! أنت حاد الطباع جدا ، وهذا يشوش ذاكرتي ، لا أعرف كيف سأحكي لك حكاية تود بمزاجك أن تغير مداخلها ومخارجها ! تغير كل شيء فيها ، وتؤل كل حدث إلى غير حقيقته! لقد أبكيتني كثيرا ، وها أنا الآن أُقهقه من كثرة الدمع المنحدر فيني ! تود فقط أن أردد ما يقوله هاجسك ، وتهجس به ظنونك! وما توسوس لك به تلك العمياء ؟!

أنت مُصاب بالمرض حتما ، و ضائع ، ضائع جدا ، خُطاك بعثرتها تلك العجوز الشمطاء ، ذات الفكر الأعوج ، ماضيك الأسود أطاح بكل الخير من عالمك ، ووضع ستارته القاتمة على كل نوافذ النور ! كل زواياك أضحت مُعتمة! كل أفكارك سوداء ، كل ظنونك في الناس سيئة ، بل حتى في نفسك ! أنت لا تثق حتى في نفسك! كل شيء لديك له تأويل أكثر قتامة من حقيقته بتُ أشك أنك تمردت كثيرا في شبابك ومراهقتك ،وإلا لما لازمتك تلك العجوز الغبية إلى هذه الدرجة !
إبقها في حجرك ، دافع عنها ما إستطعت ، لن اناقشك بعد اليوم بأمرها ، لكن تذكر أنني نبهتُك و أنك ستخسر الكثير بسبب علاقتك الحميمة بها ، ألا تلاحظ أنك بدأت تدفع ثمن قرابتها بك ؟! ألا تلاحظ أنها تسرق منك لحظات هدوءك ، ثروة فرحك ، وتكفن الحب في قلبك مبكرا ؟!قلتُ لك مرارا لا تُقربها منك وتجعلها ترصد حركاتنا وهمساتنا ، إطردها سريعا ، قبل أن تحبل وتنجب لك إبنها الضال ليعشش فيك للأبد ويقضي على حياتنا معا ।لا تدعها تتدخل في حياتنا أكثر ،لكنك لم تكن تستمع إلا لها ، ولا تثق إلا في أفكارها وهواجسها ! الآن تدفع الثمن ! كهولتك التي أبكرت مجيئها تلك الهواجس والأفكار التي لا تكف عن إرسالها تلك العجوز الشمطاء إنها لا تمل من بث وساوسها وسمومها صباح مساء !


كنت توهمني سابقا أن وجودها دليل حبك لي ، كنتُ أُصدق ذلك ، وبالطبع كنتُ سعيدة بها ، لكنها بدأت بالتمرد ، بدأت تحرضك علي! صدقني لقد تعبت منها ، وعليك أن تختار بيني وبين تلك اللعينة ! إنني أنهزم امامها كل مرة ، ولا أستطيع أن أجابهك بحضرت كيدها ، إنها تجعل نظراتك إلي أكثر حدة ! وكأنها تبحث عن خطيئة ما أو جُرم يرتسم في ملامحي ! تُحاسبني على كل نظرة كل كلمة بل حتى أطفالك لم يسلموا منها ! أنت تتتواطأ معها ، وهي تتقرب منك زُلفى ، لتقصيني أنا عن قلبك ! ، دائما تقف بيننا ، لا استطيع ان أصل إليك ، إنها تجعل حياتنا معا ضبابية الرؤية في كل شيء وتسد كل مسارب الحب وتلوث مواطنه وبواطنه !
بأمر منها تسقط كل عاطفتك بئرا سحقيا في نواياها ومكائدها ، تصرفاتك اصبحت لا تُطاق ، لقد أبعدتك عن الجميع ومع ذلك لازلت متشبثا بها ! وكأنها لعنة وحلت علينا ।

حين أبتسم ،في مكان عام ترتسم ألف عقدة حول عينيك ، وتسأل بنبرتها وبهيئة وسواسها الأرعن ، عن سبب تبسمي!! وكأنني فعلتُ جُرما لا يُغتفر ! حتى أطفالك إرتابوا في أمرك ، وباتوا ينظرون بخوف إلى صراخُك المُتطاير بسببها .

لقد نصحتُك مرارا أن تتخلص منها ، قلت لك لا تتعلل بأنها دليل حُبك لي ، لا أُريده ذلك الحب الذي تُقرضني إياه تلك الشمطاء اللعينة ! أعلم أنها لم تكن بتلك الهيئة القبيحة في أول معرفتي بك ، بل كانت جميلة هادئة تدغدغ حياتنا بالرومنسية الحالمة ، ولكنها بدأت بالتحول ، لقد بدأت تتضخم ، أُجزم أنها حبلى الآن ، لأنك قربتها منك كثيرا ، ودللتها أكثر ، هي حبلى الآن أليس كذلك ؟! لا تُحاول الإنكار !

أرأيت ، ها هو إبنها يبني له عشا في قلبك ولا يبارحه! كنت أعلم أنها ستُنجب لك طفلا ، وأنها تؤمن له موطنا بالقرب منك ومكانا في قلبك إنه يتربى في حجرك ، وقد قربْته منك زُلفى ، وأقصيتني عن عالمك ، صرت تثق به ، إذ يحرضك علي !

لا تلمني ، ولم نفسك ، لن أعيش بالقرب من ذلك المارد اللعين الذي يتربى في حجرك ، وأنا أرى أنيابه تكبر يوما بعد يوم ، تلك العجوز الشمطاء أنجبته لك ليوغر قلبك علي ، وذهبت ، تلك الغيرة الغبية التي لازمتك ،حتى حولت حياتنا إلى جحيم ، أنبتت الشك في قلبك ، وأمنت له مكانا فيه للأبد ، سأرحل لأن قلبك قد ضاق علي ، لم يعد يتسع إلا له ، له وحده !وتأكد بأنك ستعيش وحيدا مقصيا عن كل من حولك ، بسببه ، أُقسم لك .فلا أحد يرغب أن يقترب من شخص مريض بالشك جدا ، نظراته تلاحقان كل شيء حوله ،بريبة !


عُلا الشكيلي।
* نص سردي نُشر في ملحق أشرعة الثقافي
اليوم الثلاثاءالموافق التاسع عشر من شهر يناير لعام 2010

هناك 14 تعليقًا:

ابن الإيمان يقول...


بسم الله

أخت علا:
السلام عليكم
نص طويل ولكنه يعبر عن معاناة شديده تعيشها المتحدثه

في البداية تخيلت العجوز الشمطاء(اسرائيل)والمخاطب**هو المدافع عنها والمحتضن قضاياها** ..

ومع التقدم في قراءة النص تصورت أنها أم المخاطب والمتحدثه هي عروسه*يعني قصة الحماة والكنه*

وفي نهاية النص توصلت الا أنها الزوجه الاولى للمخاطب والمتكلمه هي عروسه الثانيه.....

واضح أن الثلاثه قد تلازمهن تلك الاوصاف القاسيه التي أطلقتها المتحدثه....

ربما الموضوع رمزي وقد اكون لم أوفق لتحليله بالشكل الصحيح...؟؟

تحياتي

والسلام عليكم

عُلا الشكيلي يقول...

سلام الله .
صباحك جمال أخي إبن الإيمان .
سيدي الرواية ، تقصد بالعجوز "الغيرة " التي تحولت وأنبتت "الشك" الذي يدمر حياة الأسر .

اليس واضحا أنها تقصد "الغيرة"؟!
ركز في الفقرة الأخيرة من النص .

شكرا لحضورك الدائم الرائع هُنا

محمد يقول...

الغيرة !
وأنا راسي إفتر أريد أفهم من المقصودة!
وبالأخير تطلع الغيرة !

بس أعتقد يا أخت علا إن الغيرة شي محمود بين الأزواج وتكون مدمرة فقط إذا زادت عن حدها وتحولت من غيرة إلى شك .


نص يحمل الكثير من الكلمات الجميلة

lina يقول...

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

هلا علا في الواقع قرات النص كله و لكني لم اصل الى حقيقة ما قد ينسب للعجوز يعني اولتها بالخطا ..و لم انتبه للغيرة .جميل علا حقا الغيرة مدمرة والمقصود الغيرة غير المحمودة طبعا ..

شكرا لك و تقبلي اجمل تحياتي

لينا.

عُلا الشكيلي يقول...

محمد ،
سلام الله عليك أخي.

الغريب أن المقصودة جدا واضحة !
في الفقرة الأخيرة ذكرتها الراوية صراحة ..

وبالفعل الغيرة شيء محمود ، ولكنها إذا زادت عن الحد تحولت إلى شك بغيض مُدمر .

شكرا أخي محمد على الإطراء .
ودمت كما تُحب.

عُلا الشكيلي يقول...

لينا .
سلام الله عليكِ دهرا غاليتي .
سعيدة جدا بمروركِ العذب هُنا .

بالفعل الغير غير المحمودة هي مُدمرة .

لينا أيتها العذبة .
كوني بالقرب دوما يا جميلة

اقصوصه يقول...

رغم ما بحمله السرد من الم

الا انه لا يخلو من ابداع

تقبلي مروري :)

عُلا الشكيلي يقول...

أقاصيص.
شكرا لمرورك العذب.

زُرتُ مُدونتك .
جدا رائعة .
راقت لي ،وسأتابعها .

دمتِ كما تشتهين

محفيف يقول...

"...فلا أحد يرغب أن يقترب من شخص مريض بالشك جدا ، نظراته تلاحقان كل شيء حوله ،بريبة!"
جميل أخت عُلا
استمتعت كثيرا بقراءة النص
دمتي مبدعة

عُلا الشكيلي يقول...

سلام الله عليك أخي محفيف.
دائما لك مرور مميز ،

شكرا لهكذا جمال يُنثر هُنا .

دام قلبك نقيا .

بلاظل غريب الوقت يقول...

ربما وانا هنا فالاردن عندما قرات هذه الروايه عرفت مغزاها منذ السطر الاول واعلم بانها ترمي الى هدف ما ..
ابحرت فيها واعجبتني كثيرا احسست بانه كل سطر يدفعك لتقرا الذي يليه..
علا لن اقول شيئا في وصف كتاباتك ..
كنت هنا وساظل هنا..

عُلا الشكيلي يقول...

جعلتها رواية أخي غريب الوقت؟!
سرد لا يتعدى الاسطر ، وصفته بأنه رواية؟!

أتمنى فعلا أن تكون كتاباتي كما وصفتها سيدي ،

سعيدة لأن النص راق لكم .
وسعيدة أكثر لأنكم تقرؤن لي .

دمت كما تُحب سيدي .

نعيــ( الامير الصغير )ـــم يقول...

سرد جميل يا اخت علا . بصراحة لولا التعلقيات لم اصل للفهم او اللغز ، فمن امثالي يكونون طفوليين الفهم احيانا ... اتعرفين لماذا لانني قرأتها مرة واحدة فقط ، فلو اعدت قرائتها اكثر من مرة لعرفت . اختلاف التفكير بين البشر ليس عيبا ، قد يكون التفكير والعصف الذهني لاي فرد رائع حتى وان اخطأ ، لانه اصلا حاول التفكير .
ويدل هنا ايضا ان المجال الادبي والسرد القصصي نوع من العلوم يتميز به افراد مثل الطب والهندسة .

بورك فكرك دوما

عُلا الشكيلي يقول...

نعيم.
عبور رائع ومميز كالعادة سيدي.
لا أدري يا نعيم ، مع أن النص يبدو لي واضحا جدا ! لكن ربما فعلا كما ذكرت انت أخي.

دائما أرغب في معرفة آراءكم الصريحة حول إسلوبي في الكتابة ، وأسعد جدا حين يوجه إلي نقد ، لأكتشف نفسي من خلالكم.

شكرا ألف شكر أيها الأمير الصغير.