الأحد، 13 يوليو 2008

بين اللغة والتاريخ والحضارة والهوية ، صلة رحم

سمعت بإذن قلبي صوت عتب.................له رقراق دمع مستهل.

سمعتُ الضاد قائلةُ أأنفى......................وهذا موطني والأهل أهلي.؟؟!!

جبران خليل جبران



شعب بلا لغة، شعب بلا ثقافة، بلا تاريخ ، بلا حضارة وبلا هوية.


حين عصر،توالدت فيه انتكاسات هوية الشعوب،وسقوط الحضارة العربية،
في فوهة العولمة،والقرية الصغيرة، نسمع لغة الضاد تئن،في وجع، حين هجرها أبناؤها، أو كادوا.

اللغة جواز سفر للعبور عبر محطات الحضارات بشتى أنواعها،وحين يتجرد شعب من لغته أو يتنكر لها، يكون حكم على نفسه وتاريخه وحضارته بالاندثار،


ولعل عالمنا العربي اليوم ، لم يدرك بعد تلك الحقيقة التي نراها زاحفة بقوة،إليه، بكل حثيثياتها المؤلمة،

حين نمضى للمفاوضة مع الآخر بغير لغتنا، فقد خسرنا نصف حقوقنا قبل أن تبدأ مجادلتنا للآخر الذي غزانا فكرا وثقافة، بمجرد أننا سمحنا له أن يزحف بلغته حين حديثه وحديثنا معه عن حقوقنا وتاريخنا وحضارتنا.


ذلك أن اللغة هي تاريخ متأصل في كل شعب، وكل تاريخ إنما تسرده اللغة التي تأسس بها،
وحين ضياع مفردات تلك اللغة، بالتالي، يكون ضياع للتاريخ والثقافة والحضارة والهوية، لأي أمة.


ندرك ذلك، حين تنزاح الذاكرة إلى شاطئ آخر، ساعة توالد الافكار المعصرنة، وغياب الثقافة الحضارية والتاريخية لأي شعب، بتغييب لغته.


كمثال، أنك حين تغادربلدتك إلى بلدة أخرى، وينغمس فكرك في محبرة حضارتهم ولغتهم،
حتى تنسى معاني مفردات لغتك، فلا تستطيع أن تبعث بها حضارة حين تداولك للحوار
والنقاش حول طاولاتهم المستديرة.


تحاول جاهدا أن تمجد الحضارة لدى أمتك، للتفاخر بها بينهم، إلا أن ذاكرة لغتك تخونك، وربما عصفت بك الألفاظ إلى معترك آخر،ومقصد بعيد المعنى عما بُنيت له حضارتك، مما يجعلك تبدو بينهم بلا هوية تميزك،


وتشعر انك انصهرت في ثقافة الآخر، ونسيت من تكون إلا مما يرسله القوم إليك
من معلومات معلبة ومصدقة من حضارتهم وثقافتهم ،فينسجون تاريخ لك بلغتهم، وبمصطلحات هي بعيدة كل البعد عن هوية أمتك!



لذلك ضاعت الكثير من الحقوق العربية، حين تلتف الأصوات،حول الطاولة،وتسقط الحضارة والهوية، مع إسقاطات الحروف الأبجدية بألفاظهاالتي لم تعد تدرج في القواميس، بمعانيها الأصلية،

فتغدو المقاومة إرهابا، والاستسلام سلاما، ..........إلخ.


وكمثال آخر، أن تقرأرسالة تاريخية بُعثت في عصر كانت اللغة فيه في اوجها، غير ان تبعثر حروف لغتك ، ستبعثر حتما مقاصد تلك الرسالة، وتنقلب المعاني فيها رأسا على عقب،


للأسف، لم تعد اللغة العربية ، بتلك القوة التي عهدها بها التاريخ حين كانت تصيغ الشعر حضارة، وتبرمج المجد واقعا،لأن الفتى العربي اليوم، أصبح إبن العولمة،وتعدد اللغات ، ونزوح اللغة الام جابنا، وبالتالي، غدت ثقة العربي بنفسه وبحضارته وتاريخه وهويته مهزوزة،حتى صار ينقاد فكرا وهوية وثقافة ناحية الآخر، مبهورا.
وأخشى ما أخشاه أن ينصهر والآخر في بوتقة واحدة فعلا.


أبسط ما يجب علينا فعله وسط تلك المعمعة التي أثارتها العولمة،هو، تدارك اللغة وممارسة جمالياتها حين حواراتنا اليومية،مع الأبناء، حتى تتأصل فيهم ثقافة ووعي بتاريخ الأمة وحضارتها،وبالتالي الحفاظ على تاريخنا من الاختزال و هويتنا من الارتحال،
وحضارتنا من الاندثار.

عُلا الشكيلي

سبق نشر المقال في ملحق آفاق التابع لجريدة الشبيبة



ليست هناك تعليقات: