الثلاثاء، 30 مارس 2010

ثرثرة صباحية .

لم تقتنص من اللهجة الخليجية التي تعشقها ،كما تقول ، سوى كلمة واحدة "شو "
وتظل ترددها بين كُل فاصلة حديث يدور بيننا .
أجاهدُ في إخفاء إبتسامتي ، ما إن أسمع الكلمة منها .
وبدوري ، اتكلم بلهجتها ، فتسألني "إنتِ عُمانية "؟!
فاجيبها :"جدا "
وترد :"انا بحب عُمان أوي بصراحة" ، وتردف :"بس إنتِ مش لايق عليكِ عُمانية خالص يا بنت"
وأجيب بلهجة ساخرة متغاضبة :"والله؟!

وتظل تثرثر ، عن عُمان ، وعن بلدها ، وتعقد مقارنة سريعة بين البلدين .
فأقطع عليها حديثها لأسألها :" إنتِ تعيشين مع مين في عُمان ؟
-مع خالتي .
-أين ؟
هُنا ، في السيب .
ربنا يعينكم ، الإيجارات غالية جدا عندنا .
وأتجرأ في السؤال :"بكم مستأجرين ؟
بمية ريال !!!
- - وأترك حاسوبي ، وأركن للدهشة للحظة ، وأدير الكرسي ناحيتها ، رافعة حاجبي في دهشة ، أُعيد السؤال عليها :" بكم ؟!!!
- وتعيدها :"بمية ريال .
- وأصمت للحظة في ذهول ، لأسألها مرة أخرى : " كم عدد الغرف في الشقة ؟
- -ثلاث غرف !
- -كم ؟! ثلاث غرف بمية ريال!!
- -آه ، ثلاث غرف وصالة ومطبخ ، ودورتين مياة !!
-وبمية ريال ؟!
-آه ، ماهية مأجراه من زمان .
- حظكم من السما بصراحة .
- الناس في عُمان طيبين أوي بصراحة يا عُلا .
-وتداخل معنا الحديث أُخرى ، مُضيفة :"أهل عُمان على نياتهم !!!
آها ، على نياتهم ، تمام عزيزتي .
وتستشف هي من لهجتي أن كلامها لم يعجبني .
-لتردف ، أقصد أنهم طيبين بزيادة .
-وألملم أطراف حنقي ، أدير الكرسي مُجددا ناحيتهن ،
- شوفي ، أنا بخبرك سر عن أهل عُمان : طيببون نعم ، لكنهم ابدا ليسوا على نياتهم ،
هم طيبون لأن الطيبة تعرف طريقها إليهم ، مسالمون ، لأن قلوبهم خالية من المكر ومن النفاق.
وأردف :"سأخبركِ عن نفسي كعُمانية ،
ولكن قبلها دعيني أسألك :" ما إنطباعكِ عني ؟
-طيوبة وعسولة .
- أشكرك ، ولكن ،هل أبدو على نياتي ؟
إنتِ؟! إنتِ داهية .
-كيف يعني ما فهمت ؟!
-ماحدش بيقدر عليكِ
-ألم تقولي قبل قليل أنني "طيوبة "؟
-أيوا ، بس داهية برضه .
-لستُ بداهية ، ولكن هُناك دوما سياسية تُتبع في تعاملنا مع الآخرين .
الطيبة تسكن العُمانين ، ولكن ليس معنى ذلك أنهم على نياتهم .
- أنا فاهمة يا عُلا
-
مضى الوقت سريعا ، وكان علي ترك الحوار ، لأن موعدي مع الطلاب قد بدأ ،
إبتسمتُ وحملتُ حقيبتي ومضيت .
تاركة خلفي دهشة غاضبة ، ولدت ذات ثرثرة صباحية ।


الأربعاء، 10 مارس 2010

جُرُمْ*

جُرُمْ

أنت واضح وصريح ، مريض بالطيبة جدا ، ولا أدري متى سيشفى قلبك من طيبته العمياء ؟! الطيبة تجلعك لا ترى ما وراء الأقنعة ، ولا تنتبه للسوس وهو ينخر في سنك .
كنتُ كلما أخبرتُك بوجوب الحذر منه ، وألححتُ عليك بضرورة غسل فمك بعد كُل حديث يدور بينك وبينهم ، كي لا تمكثُ فيه جرثومة نتنة ،إلتقطها ذات رذاذ متسخ بنجاستهم جدا ، تجرع ريقك آلاف المرات ، وتُمسد جبينك بقوة ، وتدور حول كعبتك ، تفرش، لحسن الظن، سجادة خضراء ، لتصلي فيها وحيدا ،وتظن أنهم خلفك ،يوحدون الصفوف ، ويسدون الثغرات بينهم ، بينما هُم يعمقون الحفر بين قدميك ،سوسهم ينخر في كُل شيء حولك .

وحين كُنت تعود باكيا ، في المساء من وجع الخيبات الكثيرة التي تلاحق طيبتك ، تشتكي أنك لم تستطع أن تردع تلك الطيبة عن قلبك ، وتُقصيها بعيدا عنك .
كنت بعد كُل خيبة منهم ، يعود قلبك يدخل محراب طيبته ، ليفترض حُسن النوايا في الناس كُلهم، حتى في الأسنان التي تركت آثارها على جسد النهار ، وضوءه يسيل بظلمة لا تنتهي ! وهم لا يزالون يثرثرون في الظلمة ، وضوءك لا يزال يزج نفسه إلى جحورهم . تفرش سجادتك ، تصلي لهم إثر كُل عواء ، ولا تفطن أن أسنانهم المضرجة بالحسد ، تتميز غيظا كُلما شاهدت الضوء يتحلق حولك ، فتأتي مُسرعة لتدُسك في الظلمة ، وتغلِق الأبواب عليك . وأنت لا تزال مغيبا بحسن الظن بهم ، كوليد مُغمض العينين ، لا يزال كُل شيء فيه طاهرا . يفصل ، بين طهرك ونجاستهم ، قماط لفته حولك قابلة إثر ولادتك مباشرة ، وبقيتَ وبقى الحبُ يرتع داخلك في براءة لم يعهدها العواء الذي يحوم حولك ، يكاد أن يقضم أضواء نهارك ، لذلك لاتزال روحك طفلة، طاهرة ترقد بسلام في مهد جسدك الغض .

وحين كنتُ أحاول أن أفك قماطك ، وأحرر روحك من طفولتها الأبدية ، كانوا هم يبعثون حشرجات مُخيفة تصدر من صدورهم المكتنزة بظلام الليلة المشهودة ، الليلة التي إبتلعوا سوادها كُله في بطون نياتهم ، حتى ضجت أرواحهم بالظلمة .
وعند ساقية كُل ظُلمة ،يمطون لك أعناقهم ،يتلون عليك سذاجتك ، يتجسسون على ما في مائدة قلبك ، ليسردوا آلام وجعك قي أذن الليل ، ينثرون سرك في الظلام ، وحين تشرق شمسك ، تكون قد فقدت ضوءها تماما ، وغاصت في لج من الظلمات، وسرك يتناثر على مسامع المكان من حولك .

تظل براءتك وروحك الطفولية تسأل عن سر غياب الضوء من عين الشمس ، وعن سر العواء الذي يتربص بأذن قلبك ! وكُلما هممت ببعثرة الظلمات من حولك ، ومددت للنور يدا ، وبصقت في عين الخطيئة ، وأشرقت الزقاق من حولك بنور طُهرك ، أخذتهم الريبة إلى دهاليز تشي بما يسكن نفوسهم من حسد ، ويظلون ينظرون إليك من طرف خفي ، يكادوا أن يزلقونك بأبصارهم كُلما إقترب ضوءا منك .

نصحتُك مرارا أن تزرر قميص قلبك الطيب ،وتُهاجر إلى حيثُ وطن لا فضاء يتسع فيه لنعيق غراب، وطن يزقزق الطُهر في فضاءه . أخبرتُك أن تُفرغ حقيبة ذاكرتك منهم في جُب النسيان .وتبزق عليها كُل ما تجمع في فمك .
لكن ،طيبتك، تحول بينك وبين ذلك ، وتظل تحدق في عين الشمس طويلا ، تُفتش عن ضوءها ، تسأل المكان عن حكاية رحيله.
حتى يُرى بريق الدمع في عينيك ، وتعود تنكمش على نفسك ، تقترض من الضياع خيباته ، ومن الغياب أوجاعه ، لتغرسها في قلبك ، وتطوف حول كعبتك تتلو حسن الظن، بالظلام من حولك !!

عُلا الشكيلي

*نص سردي

، نُشر في مُلحق آفاق التابع لجريدة الشبية ، اليوم الأربعاء الموافق ९\३\2010

الاثنين، 8 مارس 2010

ماذا سنفعل لولا الغرب؟!!!!!!

رد سريع على ما ذكره الاخ "محفيف " في تدوينته قبل الأخيرة "
ماذا سنفعل لولا الغرب؟!!

أجد السؤال ساخرا وصارخا ، يمتطي صهوة الشاب العربي ،
وأقولها : لا إستعلاء، ولا خنوع أيضا ،
فقد قالها محمود دوريش، مُعتزا بعروبته في رائعته "بطاقة هوية
حيثُ يقول :
سجل
أنا عربي ،
رقم بطاقتي خمسون ألف ...


وسجل يا محفيف ، أننا عرب ، لسنا نكرة في هذا الكون .
وليس وجودنا مقرونا بوجود الغرب ،
نحن أمة مجد ، وتاريخ ، وحاضر محاصر ، بالثقافات البائتة والمعلبة ،

سجل أننا سنكون ، بالغرب أو بدونهم ،
فلسنا أمة نكرة ،

إصعد أنت وأترابك ، وقُل لنا: أحثوا الخطى ورائنا ،
ولكتن أنت وأترابك ، مرشدون لنا ، ومنتشلين الغرقى منا ,
لنصعد "بمعيتكم ، وبطموح الشباب فيكم " إلى حيث ترى الغرب الآن .

يا سيدي محفيف ،
الحضارة ، لم يولدها شعب واحد ،
والغرب نهلوا من ثروات الشرق،
وبنوا حضارة ، حُق للجميع أن يُشترك فيها ،
ويتمتع بمزاياها ،

أو تُسمي ما نحنُ فيه الآن حضارة ، قامت بفضل الغرب !!
يا أخ العرب المُنهزم ، أستنشق هواءك من القمة ،
فهي أجدى بأن تمنحك هواءا نقيا ،
علك حين تمتلئ رئتيك بهواء نقي ،
تدرك حجم الفجوة الكُبرى ، بين ما تقوله والواقع المُخزي والمؤلم .

يا سيدي ،
كُل الشعوب تئن تحت خُطى الحضارة التي زعمت وزعموا ،
فدرويش وأحمد مطر ، ونزار ، وغيرهم كُثر،
قد بكوا ما تمجدوه أنتم الآن ،
وحثوا ،في وجه حضارتهم المزعومة، التراب!

وإليك مُعجزة أحمد مطر ،
إرحل حيثُ سكونها ،
ولذ بالفرار من موجها العاتي .
حين تُسطر لك حقائق غيبها عن عقولنا
الجهل والنظر لقشور الأشياء،
والإعجاب بالزخرفة البراقة ،

المعجزة :لأحمد مطر
ليس بجرم ...بل معجزة
ما جاء به الأمريكان !
فهم إقترفوهُ
وهم هتكوا
سريته بالإعلان
فأتاحوا لجميع الدنيا
أن تشهد في بضع ثوان
سِحر مكان
كان خفيفا منذُ زمان
ما إحتلت الأعين مرآه
ولا سمعت عنه الآذان
هواجس ما فاض علينا
من فضل فضيلة (محقان)
إذ كان ممرا للجنة
محروسا بعتاه الجِنة
ليس يغادره مخلوق
إلا بكفالة (رضوان)

***
هو مُعجزة
ما جاء به الأمريكان
إذ فتح في الحال لدينا
أبصار جميع العميان
أثار الضجة عارمة
في سمع جميع الطرشان
وحشا بفم الأبكم منا
عنقودا من ألف لسان!
فإذا بسياط الطغيان
تتحول أوتار كمان
يصدمها التعذيب فتبكي
وتفيض بعذب الألحان!
وإذا بضباع البرية
تعوي لضياع الحرية
حاملة بين نواجذها
أشلاء حقوق الإنسان!

***
أمريكا أكبر شيطان
ولقد منّ الله علينا بفضيحته بالألوان
فأعاد الصوت لألسننا
والأبصار إلى أعيننا
والأسماعُ إلى الآذان
ولهذا قد وجب الآن
كي نشكر منه بارئنا
أن نلعن ظلم الشيطان
ونبث النور ...لكي نُبدي
في كُل بلاد العربان
من صنعاء إلى عمّان
ومن وهران إلى الظهران:
عدل ملائكة الرحمن !
** *
الظلمة حالكة جدا
لا ضوء بكل الأوطان
لا صوت سوى همس مُذيع
يتسرب من ثقب بيان :
أُطفئتِ الأنوار ...حِدادا
لوفاة حقوق الإنسان
تحت أيادي الأمريكان
.


أحمد مطر


الأحد، 7 مارس 2010

ضجر

في ضجر ، أترك كم الكُتب المتراكمة أمامي ، على المنضدة ، أركنها ليوم آخر ، أنا التي عُرف عني سرعتي في إنجاز عملي، الآن أجدني أنظر إليه ولا رغبة لي إلا في الرحيل حيثُ فكري ، أقتات من الماضي بعض الذكريات ،

في أحايين كثيرة ، نترك كُل شيء خلف نشاطنا المعهود ، ونركن إلى كسل غير مبرر إلا بالضجر،
أجدني الآن ضجرة جدا ، أفكر في أمور شتى ، أفكر فيما سيحصل بعد بضعة أيام من الآن ؟
أفكر فيما أنتجتُ خلال السنوات التي مضت ؟ وهل حققتُ شيئا من طموحي أم ليس بعد؟
أفكر في كُل شيء إلا في الكتب المُكدسة أمامي ، وقد كنتُ بالأمس ، يسيل لعاب فكري ،وأنا أدخل عناوينها إلى جهاز الحاسوب ، وكم مُنيةٌ في النفس شهقت وهي تراود كتاب عن نفسه !
أترُكها ، اليوم ، خلف جهاز الحاسوب ، وحيدة ، مُبعثرة
وأبعثر على إثرها ذاكرة عبرتني فصولها بالأمس القريب جدا ....
،
،
مشرف اللغة العربية ، يأتي ليسأل المديرة عني! فتصعد إليّ لاهثة ، لتنقذني من حصة الإحتياطي التي أطرقت رأسي بمطرقة فوضى طفولية ، لم أعتد عليها.
فحمدتُ الله كثيرا ، وأنا أنزل السلم ، متوجهه إلى مكتب المديرة ... يُقابلني الأستاذ .......
يسألني عن قصتي التي شاركتُ بها في المُسابقة ،يطرح عليّ أسئلة شتى ، حول اللغة و الأسلوب اللذان إستخدمتُهما في كتابة القصة ، ويطلب مني أن يقرأ جميع أعمالي السابقة !
أعمالي السابقة ؟!!!
وأسأل نفسي : هل حقا لدي أعمال سابقة ؟!
ربما بتُ لا أعترف بشيء ذي قيمة في حياتي ! فأنا أراني مقصية جدا عن كُل شيء حولي ، أوراقي مُبعثرة ، ذاكرتي مُشتتة !
لا أعرف ماذا أريد ؟ ولا أستطيع تحديد مشاعري حتى !!
لا أدري إن كان كُل ذلك بسبب حالة الضجر التي تطل برأسها فجأة وبلا مُقدمات !
،
لأول مرة أقرأني بشرود هكذا !!!!

الأربعاء، 3 مارس 2010

*في عين الليل حكاية

http://www.maktoobblog.com/redirectLink.php?link=http%3A%2F%2Fwww.alwatan.com%2Fdailyhtml%2Fashreea.html
أتنقّلُ في الضياع، حائرا وحيدا، مشردا مع الغياب، وكم يبني الغياب له من صروح في القلوب الضائعة المشردة في عتمة حزن!

كم من مغيبُ بيننا؟! كم هم الذين تتساقط الأحلام في مخدعهم، يستيقظون في الصباح الباكر، ونفوسهم مهشمة بالضياع . خاوية أروقة حياتهم إلا من الأقنعة،يُدارون بها خيبات العمر، وضجيج الألم والوحدة والضياع !

كمثلي أنا، ضحكاتي تتعالى بين الجموع، بينما فرحي في غيبوبة أبدية ! بداخلي طقوس حزن لا تنتهي. أفتشُ في الوجوه عن صدر، يأوي غربة الروح فيني . ابتسم، وأقرض الضياع أحزاني، أنا الذي أُخبر أساتذتي وزملائي وأبناء الحي كلهم، عن بيتنا الجميل ، وعائلتنا السعيدة، وأُختي الصغيرة، وأبي حين يبتسم يطوقنا بدلال، وأمي حين ترضعنا من ثدي الحنان!

احترفتُ الكذب، احترفته جدا.، لا أعرف من حقيقتي سوى أنني وجدتُ أرتع في يباب المشاعر، لا أب يدثرني بوشاح من حب، ولا أم تدفئني بوهج مشاعرها.

وتطلبين مني الزواج ؟! وتحلمين بالسكن ؟! أي سكن ذاك الذي تنشدينه يا فتاة الأماني المستحيلة ؟! أتطلبين السكن مع مُشرد مثلي؟! أضحكتني، وأنا أتقلب في جمرات الضياع ! أيضحك من يلسعه جمر الضياع؟! لما تُراني أقهقه وأنا أغرق! أغرق في يُم شديد العُمق، وكثيرُ من الغرقى يصارعون الموج بقهقهات غبية! غارقون في الضحك! أليس غريبا أن يضحك من يغرق؟! أليس غريبا أن يقهقه من تتنازعه أمواج الضياع؟! أليس غريبا أن يسكن الحزن عيناي وضحكي يضج بالمكان؟! ألم أقل لكِ أنني ضائع؟! قلتها مرارا لهم أيضا، ولكنهم لم يكونوا يسمعون إلا لنزاعهم المتناثر في عين الليل.

أتظنين، كما ظنوا، ان الليل أعمى؟! لا، الليل حاد البصر جدا، رأيتُ سواده مرارا وهو يلمع في مُقلة أبي ! أبي، أتعلمين شئيا عن أبي؟! أنا لا أعلم عنه إلا أنه رجل، وأنه والدُ لي ! لا أتذكر من ملامحه شيئا، ولكني أتذكر ذبذبات صوته وهي تغتال هدوء الليل !

سمعته في دُجى الليل، الليل كان شاهدا على ما حدث. يعلو صراخه ويُلقي يمين الطلاق على أمي، آلمتني وأوجعتني جدا سياط كلماته، وهي تجلد البراءة فيني ، بسياط من خوف " خذيه،معك، ربيه، أنا لا أريده" !

تركلني أمي، وتصيح في وجه أبي "هو ابنك، ربيه أنت "!

وتظل الكلمات واللكمات، تتقاذفني بينهم، ولا صوت يُسمع لي سوى النشيج، أبعثه عاليا، علهم يشعرون بحجم الألم الذي يسكن الروح بي .

يا فتاة تعبث يها الأحلام، لم يعد قلبي سكن للأحلام البريئة، ألا تعلمين أن ثمة حقدا على كُل شيء نمى بداخلي ؟! ألا تعلمين أنني أكره الأطفال والأزواج والنساء والرجال؟!
لاشك أنكِ لا تعلمين، أو ربما تعلمين ولا تعلمين. وأرى عيناكِ الآن تقذفان باللوم الكثير،حائرتان، ضائعتان، مُغيبتان جدا . أنا لا ألومك، ولن أُدافع عن نفسي، فحقيقة الحقد يسكنني فعلا، ولكن عليكِ أن تعلمي أنني لستُ سيئا، وإن صدرت مني كلمات تقذف بالشرر، فوميض الضوء في عيني يشي بما يسكن قلبي . أتعلمين أي شيء ذاك الذي يسكن قلبي ؟ ليس مُهما أن تعلمي .

هل قال لكِ أحدا من قبل أنني، وأي مُشرد مُثلي، ترميه الألسن بتهمه الضياع، هو بالأصل قلب معذب، جائع جدا،كان يحبو، حين رُكل بلا رحمة، وسيق إلى وادي من الحرمان !


أنا وأدتُ الحُب بداخلي، حين رأيتُ كم الأحزان التي تنمو وتتكاثر وهي ترضع من ثدي الحرمان . أنتِ تريين أنني مرفه جدا، أقطن بيت شبيه بالقصر، وجيبي ممتلئ دوما، أصرف بلا حدود، وأخرج بلا قيود، حياتي مسكونة بالترف،ولكنها مغبونة بالفوضى ! أتعلمين كم تغيبنا الفوضى ؟! تلك الفوضى التي تغرقنا بها الرفاهية، أتعلمين كم انكسار وخيبة تَقذِفُ في عتمة أيامنا؟! ، فوضى تشحن القلوب بالمزيد من سلبية الشعور . محفظة قلبي، مُفرغة إلا من الحزن والحقد ، كيف تأملين في أن أكون أبا صالحا لأبنائك؟!

أسألكِ بحق السماء، لماذا تُريدين الزواج ؟! لتأتين بالأطفال ؟! لتتسلي بأحزانهم ؟! لتقرضيهم التشرد مثلما أقرضني أبواي من قبل؟! أنا لا أفهم لما يتزوج الرجال ؟! ولماذا يمنحهم الله الأطفال ؟! إن كان الأبناء نعمة، فالبعض لا يستحق تلك النعمة، تعلمين تلك الوجوه المُبتسمة؟! تعرفين حقيقتها ؟! لا تغرك ثرثرة الفرح في سمائهم، هُم يائسون، ضائعون جدا .

دعكِ من ترف الشعور، لأنه يحترف الكذب! أنا أسرد لكِ حكاية كل يوم، وحكاية كُل ضياع يتربص بمن هم مثلي ।


لو تعلمين كم يعبث بي الضياع ! لو تُدركين كم تسكنني الأحزان! .
ليس مثلي من يشيدون صرحا من حُب. ليس مثلي من يتمركز حولهم الأمان .
لا تطلبين الزواج بي، فأنا، أخاف، أخاف جدا من تكرار الحكاية .